تُعرف الفلسفة الحديثة (بالإنجليزية: Modern Philosophy)على أنها مجموعة الأفكار ومناهج التفكير الجديدة، التي رفضت الانصياع للتقاليد وسلطتها، واتبعت الحداثة، في الوقت الذي ظهرت فيه اكتشافاتٌ وعلوم جديدة، غيرت من جميع جوانب حياة الإنسان، وحتى النظرة الموجهة إليه،[١] وللفلسفة الحديثة العديد من الخصائص، والتي نذكر بعضًا من أهمها في العناوين التالية:[٢][٣]


النهضة العلمية

كان العلم خلال فترة العصور الوسطى مقتصرًا على علم اللاهوت، ولكن هذا الأمر لم يدم على حاله، وشهد عدة تغيراتٍ على عدة مراحل ارتبطت بالفلسفة الحديثة وظهورها؛ فمع نهاية العصور الوسطى، بدأ الاهتمام بالعلوم الطبيعية يظهر، وشهدت هذه العلوم إلى جانب العلوم الفيزيائية نهضة في القرنين 16 و 17، ولم يستطع الفلاسفة آنذاك تجاهل هذه النهضة، مما دفعهم لاتباع المنهج العلمي في الفلسفة، وقد نتج عن هذا ظهور اكتشافاتٍ واختراعات غيرت من العالم، ولا سيما أنّ العلماء الذين كانوا وراءها اعتمدوا مناهج علمية قائمة على التجربة والقياس الكمي، بعيدًا عن التخمينات والافتراضات غير المثبتة، التي تعود للكتاب المقدس ونظريات أرسطو، ومن بين أهم الاكتشافات والاختراعات العلمية التي ساهمت في نهضة الفكر الفلسفي آنذاك: البوصلة، والبارود، والطباعة؛ حيث ازدادت البعثات الاستكشافية بفضل البوصلة، والتي نتج عنها اكتشاف مناطق جديدة في العالم، والاطلاع على الحضارات الأخرى فيه، في حين أنّ البارود ساعد في محاربة نظام الإقطاع الذي كان سائدًا في أوروبا، أما الطباعة فبفضلها انتشرت المعارف على نطاقٍ واسع، وغيرت من التوجهات الفكرية عن الناس من مختلف الطبقات.[٤]


الفحص النقدي

كما هو معروف، فإن الفلسفة الحديثة في الأساس ظهرت على شكل ثورة ترفض أشكال السلطة والتفكير التقليدي، التي ترسخت في المجتمع وبين الناس بفعل الدولة والكنيسة، وقد اعتبرت الفلسفة الحديثة أنّ مثل هذه الممارسات والأفكار المفروضة تشوبها صبغة العصور الوسطى، ولا تتناسب مع النهضة الفكرية والاجتماعية، ولهذا كان لزامًا وضع حدٍ لها عن طريق تعريضها للدراسة والنقد، وبناء عليهما يتم تحديد إذا كان بالإمكان قبولها أم لا، وقد كان الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (بالفرنسية: René Descartes) من أشهر فلاسفة الفلسفة الحديثة الذين اعتمدوا هذا النهج، وكان أسلوبه يتخذ من منهجية الشك وسيلة لتحديد ما إذا كانت التقاليد بجميع أشكالها حقيقية أم لا، وقد تأثر العديد من الفلاسفة اللاحقين بمنهجية ديكارت؛ الأمر الذي ساهم بوضع حدٍ لسلطة الكنيسة وتحكمها، بالإضافة إلى مساهمته في تشكيل أفكارهم الساعية للتوصل إلى المعرفة.[٤]


إعلاء قيمة الإنسان

لم يكن الإنسان ووجوده من الموضوعات المهمة قبل عصر النهضة، ولكن حداثة الفكر وتطوره، إلى جانب النهضة العلمية، أدت إلى ظهور اهتمامٍ غير مسبوقٍ بالإنسان، بات بسببه يُنظر إليه كأساسٍ لهذا الكون، وله أهمية وقيمة عظيمة لا يمكن غض الطرف عنها أبدًا في جميع جوانب الحياة، بالإضافة إلى ذلك تميزت العديد من أفكار الفلسفة الحديثة، ومن منطلق تحول التركيز بعيدًا عن الدين، في جعل قيمة العقل أكبر من قيمة الإيمان، كما ظهرت كثيرٌ من المؤلفات التي تناولت موضوعاتٍ لم يسبق التطرق لها من قبل، ولها علاقة بالإنسان، وقد كان من أبرزها الحديث عن الإنسان العادي، ونظرته للحياة، وحتى مشاعره، إلى جانب انتقاد مثل هذه الكتابات للأشخاص من أصحاب السلطة والنفوذ.


ظهور الاهتمام بالسياسة

في فترة العصور الوسطى، لم تكن السياسة موضوعًا بارزًا، وساعد على ذلك شيوع سلطة الكنيسة، التي جعلت من حياة الإنسان وحريته موضوعاتٍ ليست بذات أهمية، بحكم ما تدل عليه تعاليمها آنذاك، التي كان الأفراد يتبعونها اتباعًا أعمى دون تفكر فيها أو إعادة نظر، غير أنّ حركة الحداثة التي شهدها التفكير، والتي أدت لتغير طبيعة السلطة، لتصبح دنيوية لا دينية، ساهمت في زيادة الاهتمام بموضوع السياسة، بدلاً من التركيز فقط على الموضوعات التي لها علاقة بالدين، وكان من مظاهر تزايد الاهتمام بالسياسة ظهور الصراعات بين الدول، إلى جانب ظهور مسائل أخرى ذات علاقة، كان من أهمها الأمن الداخلي، والوحدة الوطنية، وتحقيق العدالة، وقد ساهمت جميع هذه العوامل في إعادة إحياء معضلاتٍ فلسفية قديمة لها علاقة بالسلطة السياسية وأخلاقياتها؛ الأمر الذي ساهم في ظهور الفلسفة السياسية في دولٍ أوروبية، هي: هولندا، وإيطاليا، وإنجلترا، وفرنسا.


حرية التفكير

من أبرز الخصائص الأخرى للفلسفة الحديثة حرية التفكير، ويمكن ربط العديد من جوانب هذه الخاصية بالخصائص الأخرى المذكورة أعلاه، وبالشكل التالي؛ فقد آمن الفلاسفة والمفكرون الذين تبنوا الفكر الحديث أنّ شرط الوصول إلى الحقيقة يكمن في حرية التفكير، وليس باتباع ما تمليه الكنيسة وممثلوها، وقد كان من بين المظاهر الأولى لهذا النوع من الحرية تركيز الاهتمام على تفسير الظواهر الطبيعية، بدلاً من الاكتفاء بتأمل الظواهر الخارقة للطبيعة، وقد مثلت هذه الخطوة انطلاقة تحرير عقل الإنسان من القيود المفروضة عليها، وبدأت الملامح الدنيوية تطغى على الفلسفة.


المراجع

  1. "Modern Philosophy", englopedia, Retrieved 5/9/2022. Edited.
  2. IGNOU The People's University, INTRODUCTION TO MODERN PHILOSOPHY, Page 1-11. Edited.
  3. Emile Boutroux, THE CHARACTERISTICS OF MODERN PHILOSOPHY, Page 267-280. Edited.
  4. ^ أ ب "خصائص الفلسفة الحديثة والمعاصرة"، الجامعة المستنصرية، اطّلع عليه بتاريخ 5/9/2022. بتصرّف.