تعريف الفلسفة البراجماتية

مفهوم الفلسفة البراجماتية

الفلسفة البراجماتية (بالإنجليزية: Pragmatism)، أو البراغماتية، والمُسماة أيضًا بالعملانية، وفلسفة الذرائع، والمذهب العملي، هي مدرسةٌ فلسفية، سادت في بداية القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية، وتقوم على مبدأ أنّ معايير جدارة واستحقاق كلٍ من المقترحات، والأفكار، والسياسات تتمثل في ما تحققه من فائدة، وجدوىً عملية، وقابلية للتطبيق، كما تنص الفلسفة البراجماتية على أنّ الأفكار تستمد معانيها من نتائجها المترتبة، في حين أنها تستمد حقائقها من إثباتها والتحقق منها، وبمعنىً آخر، تعتبر الفلسفة البراجماتية موقفًا فلسفيًا يرى أنّ القيمة الحقيقة لافتراضٍ أو نظريةٍ ما، تتمثل في النتائج العملية،^[١] وهي أيضًا مذهبٌ فلسفي اجتماعي ينص على أنّ الحقيقة لا توجد في "الفكر النظري غير القريب من الواقع"؛ بل توجد الحقيقة في التجربة الإنسانية، وأنّ الوسيلة الوحيدة للمعرفة هي الحواس، وأنّ المادة هي ما تُمثل الوجود؛ أي أنّه "لا وجود لغير المادة"، وتنص الفلسفة البراجماتية كذلك على أنّ المعرفة هي وسيلة وأداةٌ لتحقيق ما في الحياة من حاجاتٍ ومطالب، وأنّ حل مشاكل البشرية وتحقيق السعادة لها يكمن في العلم فقط، بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الفلسفة البراجماتية أنّ الحكم على مسألة ما بأنها صادقة، يعتمد بشكلٍ أساسي على ما إذا كانت هذه المسألة بذات فائدة للأفراد أم لا.^[٢][٣]

نشأة الفلسفة البراجماتية

عند تتبع أصول الفلسفة البراجماتية، نجد أنّ لها جذورًا تاريخية ممتدة إلى أيام الفيلسوف اليوناني هرقليطس، أحد فلاسفة عصر ما قبل سقراط؛ إذ ظهرت في فكره آنذاك بوادر ممهدة لأفكار البراجماتية، فقد كان هرقليطس معتنقًا لفكرة أنّ الحقيقة الثابتة المطلقة غير موجودة، وأنّ كل شيءٍ يتغير، وبالنسبة للبداية الفعلية للفلسفة البراجماتية، فتُشير المصادر إلى أنها كانت في القرن 19، بواسطة الفيلسوف الأمريكي تشارلز ساندرز برس (بالإنجليزية: Charles Sanders Peirce)‏، الحائز على لقب "أب البراجماتية"، والذي يُعد مؤسسها، وأول من عرّف الفلسفة الأمريكية عليها، وأول من استخدم لفظ "البراجماتية" في العام 1878، وكان كل هذا بعد دراسته للفيلسوف الألماني كانط، وبعد برس، جاء الفيلسوف الأمريكي ويليام جيمس (بالإنجليزية: William James)‏، وعمل على نشر الفلسفة البراجماتية، وتطوير أفكار برس، بالإضافة إلى تطبيقها في عددٍ من الجوانب، وقد سار على ذات الطريق الفيلسوف الأمريكي جون ديوي (بالإنجليزية: John Dewey)، الذي أسس القواعد لهذه الفلسفة، وطبق نظرياتها التربوية في الفلسفة الأمريكية، وتجدر الإشارة إلى أنّ الفلسفة البراجماتية تعتبر فلسفة أمريكية، نسبةً إلى الفلاسفة الذين قدموها إلى العالم، وطوروا منها.^[٤][٥]

عوامل ظهور الفلسفة البراجماتية

ساهمت عوامل في ظهور الفلسفة البراجماتية، واتسمت هذه العوامل في تركيزها على التجربة المادية والحواس، وغضها الطرف عن "المناهج العقلية والنقلية"، ومن أبرز هذه العوامل ما يلي:^[٦]

• ظهور الداروينية (نظرية التطور) التي طورها عالم الطبيعة شارلز داروين.
• تقدم علم النفس (السيكولوجيا)، وتوجهه إلى اعتبار أنّ هناك غاية محددة يهدف كل شيء في العقل إلى تحقيقها.
• ارتباط التفكير بالعمل، نتيجة اعتماد المهاجرين الأوروبيين في أمريكا على العمل وبذل الجهد لوضع حدٍ لمشاكلهم، وهذا الأمر ساهم في ظهور الفلسفة البراجماتية بسبب تأثير التفاعل بين كلٍ من أفكار أولئك المهاجرين وأفكار المكان الجديد الذي استقبلهم.

مبادئ الفلسفة البراجماتية

تقوم الفلسفة البراجماتية على عددٍ من المبادئ، ومن أبرزها الآتي ذكره:^[٧][٨]

• تعتبر البراجماتية أنّ الإنسان عندما يولد، يكون أشبه ما يكون بالصفحة البيضاء، ولا يمكن الحكم عليه حينها بأنه شرير أو طيب، ويساهم تفاعل البيئة الطبيعية مع البيئة الاجتماعية في تكوينه؛ أي أنه نتاجُ وثمرة هذا الشكل من التفاعل.
• تتبنى الفلسفة البراجماتية فكرة أنه ليس هناك ما يُثبت أنّ الحقائق لا تتبدل، أو أنها ثابتة، ولهذا فهي ترى أنه من المستحيل التوصل إلى حقيقة الكون ووجوده.
• العقل ليس سلبيًا، بمعنى أنه يستقبل المعرفة فقط؛ بل هو فاعلٌ وإيجابي، ويعالج المعرفة التي يستقبلها اعتمادًا على تفاعله مع البيئة المحيطة.
• تعتبر هذه الفلسفة أنّ القيم تعتمد على ما تلبيه من احتياجاتٍ ماسةٍ وضرورية، وعلى مدى منفعتها، ولهذا فإن القيم من منظورها ليست ثابتة؛ بل نسبية.
• التجربة هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة الأشياء والتعرف على معناها الحقيقي.
• أنفع الطرق لإخضاع الأفكار للاختبار والمعالجة هي الطريقة العلمية.
• عندما يستخدم الإنسان خبرته الإنسانية في فرض سيطرته على البيئة، فإنه يستطيع حينها تشكيل مستقبله كيفما يشاء.
• المجتمع الذي يعيش فيه الأفراد ليس ثابتًا، ويمكنهم حل قضاياه، والنهوض به، وإعماره، من خلال المساهمة بفعاليةٍ فيه.
• يمكن أن تكون الديمقراطية، إذا ما جرى فيها توظيف العقل والاعتماد عليه، أن تكون أسلوبًا للعمل والحياة.
• تعتبر البراجماتية أنّ الفرد "وحدة متكاملة"؛ بمعنى أنه لا يمكن فصل أجزائه عن بعضها.