تعريف الفلسفة العقلانية

مفهوم الفلسفة العقلانية

تُعرف الفلسفة العقلانية (بالإنجليزية: Rationalism) على أنها حركة فلسفية، تعتبر أنّ العقل هو ما يُعد مصدرًا واختبارًا للمعرفة، وتعتبر العقلانية أنّ هناك فئة من الحقائق يمتلك العقل القدرة على فهمها بشكلٍ مباشر، وأساس هذا الاعتبار أنّ الحقيقة، من وجهة نظر العقلانية، تمتلك بطبيعة الحال أساسًا، أو بنية، منطقية، ومن منطلق أهمية العقل ودوره في الفلسفة العقلانية، فإن الفلاسفة العقلانيين يعتبرون أنّ هناك بعض المبادئ التي تتسم بأنها عقلانية، ويمكن العثور عليها في مجالات المنطق، والأخلاق، والرياضيات، والميتافيزيقا، وهذه المبادئ أساسية للغاية، وإنكارها يعني أنّ الفرد يُناقض نفسه، ولهذا فإن العقلانيين يميلون إلى الانتقاص من الطرق الأخرى للمعرفة، وذلك بسبب إيمانهم بالعقل والدليل، فضلاً عن ذلك، ترى العقلانية أنّ الأفراد يمكنهم الاستعاضة عن الحواس وبعض أنواع التعاليم بالعقل والمنطق لفهم الأمور واستيعابها، بالإضافة إلى أنها تعتبر أنّ هناك أمورًا يمكن معرفتها بالاعتماد على الحدس فقط، أو من خلال الحجج المنطقية، دون الاعتماد المطلق على التجربة الحسية فقط، هذا ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ العقلانية قد بلغت أوجها في عصر التنوير، الذي سمي كذلك بعصر المنطق، وتحديدًا في القرن السابع عشر،^[١][٢] في حين أنّ جذورها التاريخية تعود إلى زمن يُعد أبعد من زمن فيثاغورس الساموسي، وتحديدًا إلى الأعوام 570-495 قبل الميلاد.^[٣]

مبادئ الفلسفة العقلانية

الفلسفة العقلانية قائمة على أسس، أو مبادئ، يؤمن العقلانيون بواحدة منها على الأقل، وفيما يلي استعراضٌ لما يؤمن به أتباع الفلسفة العقلانية:^[٤]

الحدس والاستنتاج

تنص العقلانية على أنّ هناك افتراضات/مسائل يمكن معرفتها من خلال الاعتماد على "الحدس" حصرًا، في حين أن هناك افتراضات، أو مسائل أخرى يمكن معرفتها من خلال الاستنتاج القائم على الافتراضات المحدوسة (التي يتمّ التوصل إليها بالحدس)، ولهذا فإنّ هناك من العقلانيين من يرون أنّ الحدس منزهٌ عن الخطأ، وتشير ادعاءاتهم في هذا السياق إلى أنّ كل ما نستشعره بالحدس يكون صحيحًا، في حينّ أنّ هناك عقلانيين آخرين لم ينفوا احتمالية أن يكون ما يدل عليه الحدس خطئًا، وبالنسبة للمواضيع التي يمكن معرفتها عن طريق الحدس والاستنتاج؛ فبعض أتباع العقلانية يدعونّ أنّ الرياضيات هي فقط التي تُعرف من خلال الحدس والاستنتاج، في حين أنّ بعضهم الآخر يرى أنّ الحقائق الأخلاقية يمكن أيضًا معرفتها من خلال الحدس، كما أنّ هناك من العقلانيين الراديكاليين من يصرون على أنّ هناك أمورًا غيبية، مثل وجود الله، وثنائية العقل والجسد، والإرادة الحرة، يمكن معرفتها من خلال الحدس والاستنتاج أيضًا.

المعرفة الفطرية

المُسماة أيضًا بالمعرفة الداخلية، والتي تُفسرها العقلانية بأنّ البشر يمتلكون معرفة تخص بعض الحقائق، وهذه المعرفة تكون جزءًا من طبيعتهم الفطرية العقلانية؛ إذ قد تؤدي التجارب التي يخوضها المرء إلى إثارة عملية تستقطب من خلال المعرفة إلى وعيه، غير أنّ هذه التجارب لا تزود المرء بالمعرفة بحد ذاتها، والتي يكون الإنسان ممتلكًا لها من الأساس منذ بداية حياته، وفي هذا السياق، تنص ادعاءات بعض العقلانيين أنّ المعرفة الفطرية التي يمتلكها البشر مصدرها حياتهم الماضية، في حين يرى آخرون أنها من عند الله، ويرى البعض الآخر أنها جزء من طبيعة البشر، وذلك بناءً على عملية الانتقاء/الانتخاب الطبيعي (بالإنجليزية: Natural selection)، التي تتكيف من خلالها الكائنات مع بيئاتها.^[٥]

المفاهيم الفطرية

المفاهيم الفطرية هي تلك المفاهيم التي يستخدمها البشر، والتي تكون جزءًا من طبيعتهم العقلانية الفطرية، وهناك من يرى أنّ المعرفة الفطرية تنطوي على هذا النوع من المفاهيم؛ أي أنّ البشر تولد معهم هذه المفاهيم التي تُكوّن المعرفة الفطرية، ولا يمكن القول أنّ المعرفة تُعد فطرية إلا إذا كانت المفاهيم التي تتضمنها فطرية هي الأخرى.

الفرق بين الفلسفة العقلانية والفلسفة التجريبية

هناك من يصف الفلسفة العقلانية والفلسفة التجريبية (بالإنجليزية: Empiricism) بأنهما وجهان لعملةٍ واحدة، وهي الفلسفة؛ إذ أنّ هناك فروقاتٍ متباينة بينهما، يتمثل أبرزها في أنّ العقلانية تُمثل المعرفة التي أساسها العقل والمنطق، في حين أنّ الفلسفة التجريبية تُمثل المعرفة التي يتم التوصل إليها من خلال الخبرة والتجربة، فضلاً عن ذلك، تتمحور الفلسفة العقلانية حول الحدس، في حين أنّ التجريبية تتمحور حول المفاهيم البصرية/المفاهيم المرئية (يُقصد بها مجموعة الأشياء التي تملك سمات شكل مميزة تميزها عن الأشياء الأخرى، مثل المربعات، والمستطيلات، والمنازل.. إلخ)،^[٦] أيضًا، يتم اعتبار الرياضيات على أنها عقلانية، في حين أنّ العلوم التجريبية تعتبر تجريبية.^[٣]

رواد الفلسفة العقلانية

يعتبر كلٌ من الفيلسوف الفرنسي ديكارت، والفيلسوف الألماني لايبنتز، والفيلسوف الهولندي سبينوزا، من أشهر الشخصيات في الفلسفة العقلانية؛ إذ أنّ العقلانية في القرن السابع عشر قد ارتبطت بقيامهم بإدخال الأساليب الرياضية في الفلسفة آنذاك، وبالنسبة لرينيه ديكارت (René Descartes)‏، فهو يعتبر أول العقلانيين من فلاسفة الفلسفة الحديثة، وقد كان يعتقد أنّ المعرفة التي لها صلة بالحقائق الأبدية، مثل حقائق الرياضيات وأساسيات العلوم، هي وحدها التي يمكن اكتسابها من خلال العقل فقط، في حين أنّ المعرفة بالفيزياء تتطلب تجربة لها صلة بالعالَم، ويدعمها في ذلك المنهج العلمي، أما باروخ سبينوزا (بالهولندية: Baruch Spinoza) وغوتفريد فيلهيلم لايبنتز (بالألمانية: Gottfried Wilhelm Leibniz)، فقد اعتقد كلاهما، أنه من الناحية المبدئية، يمكن اكتساب جميع المعارف، بما في ذلك المعرفة العلمية، وذلك من خلال الاعتماد على العقل حصرًا، غير أنهما لاحظا أنّ هذا الأمر لا يمكن تحقيقه عمليًا، ويُستثنى من هذا مجالات معينة، مثل الرياضيات.^[٧][٨]