كل ما يهم حول فلسفة عصر التنوير

مفهوم فلسفة عصر التنوير

تعرف فلسفة عصر التنوير (بالإنجليزية: Enlightenment Philosophy) على أنها حركة فكرية ارتبطت بشكل مباشر بعصر التنوير (بالإنجليزية: The Age of Enlightenment)، المسمى كذلك بعصر المنطق، وتميزت أفكارها بتركيزها على مواضيع مهمة كالمعتقدات، والإنسانية، والعقل، والطبيعية، وقد نتج عنها تغيراتٍ جذرية في مجالات السياسة، والفكر، والفن، وقد استمدت فلسفة التنوير ملامحها من هوية عصر التنوير، الداعي لتوظيف العقل، وتمجيده، واعتباره المحرك الرئيس الذي يدفع الأفراد لفهم الكون، والارتقاء بحياتهم، ولا بدّ من الإشارة في هذا السياق إلى أنّ عصر التنوير، الذي يعتبر الحاضن لفلسفة التنوير، يُمثل فترة مهمة للغاية في الفكر الأوروبي، وقد سادت هذه الفترة من نهاية القرن 17 وخلال القرن 18، وتحديدًا الفترة التي تقع بين الثورة المجيدة (بالإنجليزية: Glorious Revolution)، التي قامت في العام 1688، وتمّ على إثرها تنصيب الملكة ماري الثانية (بالإنجليزية: Mary II)، وزوجها فيلهلم الثالث ملك إنجلترا (بالإنجليزية: William III (II) of Orange)‏، بعد الإطاحة بوالد ماري جيمس الثاني ملك إنجلترا (بالإنجليزية: James II of England)، وبين الثورة الفرنسية (بالإنجليزية: French Revolution)، في العام 1789، والتي تمّ على إثرها إلغاء الملكية في فرنسا، وتأسيس الجمهورية.^[١][٢]

مبادئ فلسفة عصر التنوير

تمتاز فلسفة التنوير بقيامها على عددٍ من المبادئ، التي تمثل مجموعةً من الآراء والمعتقدات التي اشترك بها الكثير من فلاسفة ومفكري عصر التنوير، ومنها استمدوا الكثير من آرائهم، وفي النقاط التالية توضيحٌ لأهم هذه المبادئ وأكثرها رسوخًا في فكر عصر التنوير:^[٣]

• ارتباط العقلانية بالحقيقة: يشير هذا المبدأ إلى أنّ ما يمتلكه الإنسان من قوىً عقلانية قادرةٌ على تمكينهِ من اكتشاف الحقيقة، ومن أشهر الآراء التي تدعم هذا المبدأ تلك المتعلقة بالمنهج التجريبي عند الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم (بالإنجليزية: David Hume)، والتي ربطت الوصول إلى المعرفة والحقيقة بالحواس التي يمتلكها الإنسان، والتي بناءً عليها يمكن القول أنّ جميع البشر، بفضل امتلاكهم للحواس، قادرون على الوصول للحقيقة.
• فصل السلطات: آمن العديد من مفكري عصر التنوير بوجوب فصل السلطات، وكان من ضمنهم الفيلسوف شارل لوي دي سيكوندا (بالفرنسية: Charles Louis de Secondat)، الذي يُطلق عليه لقب مونتيسكيو (بالفرنسية: Montesquieu)، والذي كان من اقترح فصل السلطات إلى سلطة قضائية، وتشريعية، وتنفيذية.
• تفسير الظواهر في العالم: من المبادئ الأخرى التي اشترك بها العديد من مفكري وفلاسفة التنوير إمكانية تفسير الظواهر التي تحدث في العالم تفسيرًا عقلانيًا، ومن أشهر الإنجازات التي اعتمدت على هذا المبدأ تلك التي تُنسب إلى العالم والفيلسوف الإنجليزي إسحاق نيوتن (بالإنجليزية: Isaac Newton)‏ في مجال الفيزياء.

أفكار فلسفة عصر التنوير

أدى عصر التنوير إلى ظهور ثورةٍ طالت في تأثيراتها نظرة الناس إلى العالم، بشقيه الطبيعي والدنيوي، بالإضافة إلى نظرتهم لأنفسهم وحقوقهم؛ الأمر الذي أدى لتولد عددٍ من الأفكار التي ارتبطت بشكلٍ مباشر بروح هذا العصر، والتي نستعرض عددًا من أبرزها، وأبرز فلاسفة التنوير الداعين لها فيما يلي:^[٤]

• الحقوق الطبيعية: تُمثل الحقوق الطبيعية الحقوق الأساسية التي يجب أن يمتلكها جميع الناس، وقد كان أول من أشار لهذا المصطلح الفيلسوف الإنجليزي جون لوك (بالإنجليزية: John Locke)، الذي اعتبر أنّ كل شخص يجب أن يتمتع بحق الملكية، والحرية، والحياة، وأضاف أنّ الحكومات لا تملك الحق لسلب هذه الحقوق الطبيعية من البشر.
• حقوق المرأة: في كتاب دفاع عن حقوق المرأة: القيود السياسية والأخلاقية (بالإنجليزية: A Vindication of the Rights of Woman: with Strictures on Political and Moral Subjects)، المنشور عام 1792، دافعت الفيلسوفة الإنجليزية ماري وولستونكرافت (بالإنجليزية: Mary Wollstonecraft)‏ عن امتلاك المرأة للكفاءة والقدرة التي تمكنها من أن تكون عنصرًا فعالاً في الحياة، كما كانت من الداعين لمنح النساء حقوقهن.
• حرية المعتقد: يعتبر الفيلسوف الفرنسي فولتير (بالفرنسية: Voltaire)‏ من فلاسفة عصر التنوير الداعين إلى حرية المعتقد وممارسته دون قيود، وهذا ما تثبتهُ كتاباته حول هذا الموضوع، والتي دعا من خلالها إلى عدم تدخل الحكومة في الحريات الدينية وممارساتها عند الأفراد.
• حرية التعبير: وفي سياق الحديث عن كتابات الفيلسوف فولتير، فقد تناولت العديد منها موضوع حرية التعبير كذلك، ورفض فيها تحكم الحكومة وسيطرتها على ما يريد الفرد التعبير عنه وقوله.

مواضيع فلسفة عصر التنوير

تناول فلاسفة عصر التنوير العديد من الموضوعات والقضايا في أعمالهم، والتي من أبرزها ما يلي:^[٥]

• الفردانية (الفردية): ازداد في عصر التنوير التركيز على فكرة أن يعيش الفرد حياته لنفسه، وليس من أجل المؤسسات ذات السلطة، مثل الكنيسة والدولة، بالإضافة إلى ازدياد الدعوة إلى أن ينمي الفرد من مواهبه وقدراته الخاصة إلى أبعد الحدود، كي يتمكن من تحقيق ذلك.
• الشكوكية: قديمًا في أوروبا، كان هناك معتقدٌ سائد يشير إلى أنّ الملوك والحكام يُمنحون السلطة السياسية بتأييدٍ إلهي، ولكن العديد من فلاسفة ومفكري عصر التنوير ناهضوا هذا الاعتقاد من منطلق الشكوكية، والتي تعني فلسفيًا الشك في كل ما يُصنف على أنه معتقدٌ أو حقيقة راسخة.
• الحرية: تعتبر الحريات في فكر فلسفة عصر التنوير ردة فعلٍ على تقييد ملوك أوروبا في القرن السابع عشر لحريات شعوبهم، وتمتاز الحريات التي تمحورت حولها موضوعات عصر التنوير بعدم اقتصارها على جانب دون الآخر؛ إذ شملت الحريات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية.
• العقل: امتاز عصر التنوير وفلسفته بإعلاء شأن العقل، وهذا ما دفع المفكرين والفلاسفة إلى مناهضة الخرافات والمعتقدات القائمة عليها.

فلاسفة عصر التنوير

كما ذكرنا سابقًا، فقد ظهر العديد من الفلاسفة والمفكرين خلال عصر التنوير، ومن الأمثلة على أسماء هؤلاء ما يلي:^[٦]

• يوهان جوتفريد هردر (بالألمانية: Johann Gottfried Herder): فيلسوف وأديب ألماني، كان من تلاميذ الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (بالألمانية: Immanuel Kant)، كما كان من المدافعين في كتاباتهِ عن استقلالية الأدب الألماني، وأثرت آراؤه النقدية على مفكري الحركة الرومانسية/الرومانتيكية (بالإنجليزية: Romanticism).
• فرانسوا كيناي (بالفرنسية: Francisco Quesnay): فيلسوف، واقتصادي، وطبيب فرنسي، كان من أبرز إنجازاتهِ نظرية المذهب الطبيعي، المعروفة باسم الفيزيوقراطية (بالإنجليزية: Physiocrats)، والتي اعتبرت أنّ الأرض هي مصدر الثروة، وأنّ نشاطات الصناعة والتجارة يجب أن تتمتع بالحرية.
• إدوارد جيبون (بالإنجليزية: Edward Gibbon): يُعد كتاب تاريخ ضعف وسقوط الإمبراطورية الرومانية (بالإنجليزية: The History of the Decline and Fall of the Roman Empire) من أشهر المؤلفات التاريخية، وقد قام إدوارد جيبون، أحد أشهر مؤرخي عصر التنوير، بتأليفه، ويعتبر كتابه هذا من الأعمال حول موضوع الشك الإنساني.