أين نشأت الفلسفة؟

تتعدد التعريفات التي تتناول الفلسفة في مضمونها، ومنذ ظهور الفلسفة، لم يجرِ الإجماع على تعريفٍ واحدٍ لها، وهناك سببان يُعتمد عليهما لتفسير ذلك؛ أولهما هو تنوع وكثرة الفلسفات ومدارسها (المدارس الفلسفية)، أما الثاني فهو تناولها لموضوعات ميتافيزيقية، تختلف تمامًا عن المواضيع التي تتسم بالوضوح، وكلمة الفلسفة يونانية الأصل، وتعني "حب الحكمة"، ويمكن تعريف الفلسفة على أنها سعي الأفراد، وبذلهم جهدًا، لفهم الحقائق الأساسية المتعلقة بأنفسهم وبالعالم الذي يحتويهم، والحقائق التي لها صلة بعلاقتهم مع الآخرين والعالم،^[١] وبالنسبة للإطار المكاني الخاص بنشأة الفلسفة، فهناك آراءٌ مختلفة بشأنه،^[٢] نستعرض أهم تفاصيلها في العناوين التالية من هذا المقال:^[٣][٤]

ظهور الفلسفة في اليونان

في النقاط التالية، استعراض لأهم تفاصيل الرأي القائل بأن الفلسفة ظهرت في اليونان القديمة:^[٥]

• يُجمع معظم الفلاسفة، والباحثون، والمؤرخون على أنّ الفلسفة ظهرت في اليونان القديمة (بلاد اليونان)، وقد كان ظهورها في القرن السادس قبل الميلاد، وأنها ظهرت جراء الجهود التي بُذلت آنذاك للتوصل إلى تفسيرات منطقية حول العالم والحياة، تكون مبنية على العقل، وبعيدة عن استنتاجات الأساطير والخرافات.
• يعتبر طاليس الملطي (بالإنجليزية: Thales of Miletus) أول أولئك الفلاسفة، باعتباره أول من تساءل عن أصل الوجود وما في الكون من أشياء (كان ذلك في القرن 6 ق.م)، حتى أنه توصل إلى أنّ "الماء" هو أصل الأشياء كلها، وأنه المادة التي وُجد منها كل شيء.
• مرت الفلسفة في اليونان القديمة بالعديد من المراحل اللاحقة حتى تمّ التوصل في النهاية إلى تفسيرٍ مناسب ومتآلف فيما يخص الإنسان والكون الذي يعيش فيه، ويمكن القول أنّ الفلسفة اليونانية قد بلغت ذروتها في الفترة التي عاش فيها سقراط، وأفلاطون، وأرسطو (العصر الكلاسيكي اليوناني)، والتي شهدت نهضة وتطورًا في مجالات عديدة، كان من بينها الفلسفة، وقد طرح فلاسفة تلك الفترة أسئلة، ما زالت النقاشات تدور حولها إلى اليوم، مثل: كيف نشأ الكون؟ مما يتكون الكون؟ كيف بدأت الحياة؟ ما هي الغاية من الكون؟
• ساهم الفكر الفلسفي اليوناني في تحرير الفكر البشري من براثن الخرافات والأساطير، كما ساهم في فهم الإنسان للقوى الموجود في الطبيعة، بل وفي السيطرة عليها أيضًا؛ الأمر الذي أدى إلى تغيير نظرته إلى العالم، وتعزيز الاعتماد على الاستدلال، والنشاط الفكري، والتجارب، والملاحظات، للتوصل إلى تفسيرٍ لما يتعلق بالكون.
• تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ فلاسفة عظام يوافقون الرأي القائل بأن الفلسفة ظهرت في بلاد اليونان، ومنهم: أرسطو، وأبو الفتح الشهرستاني، وابن خلدون، والفارابي، وإدوارد زيلر.

ظهور الفلسفة في الشرق القديم

من جهة أخرى، هناك فلاسفة، وباحثون، ومؤرخون، يعتبرون أنه من غير المنطقي اعتبار أنّ الفلسفة ظهرت في اليونان القديمة حصرًا، وقد برروا رأيهم هذا بالقول انّ الفكر البشري قد شهد تطورًا على مر العصور، وأنه يتسم بالترابط والتداخل، وأنّ التفكير الفلسفي لا يمكن اقتصاره على بلاد اليونان فقط، ولا سيما أنّ اليونانيين قديمًا قد استفادوا مما في الشرق القديم من فنون وعلوم طبيعية، مما ساهم في دعم بحثهم النظري في "حقيقة الموجودات" المتميز بتجرده ونزاهته، وبناءً على ما ذكر، تعتبر الشخصيات المؤدية لهذا الرأي أنّ الفلسفة ظهرت في الشرق القديم والحضارات التي تأسست فيه، والتي من الأمثلة عليها، الحضارة المصرية القديمة، والحضارات التي قامت في العراق، والهند، والصين، ومن الفلاسفة المؤيدين لظهور الفلسفة في الشرق القديم: أبو حامد الغزالي، جمال الدين القفطي، وجورج سارتن، وبول ماسون اورسيل.

العوامل التي ساهمت في ظهور الفلسفة

ذكرنا سابقًا أنّ معظم الآراء تجمع على أنّ الفلسفة قد ظهرت في اليونان القديمة، وقد ساهم في ظهور الفلسفة في بلاد اليونان عدد من العوامل، والتي نستعرض أهمها في النقاط التالية:^[٦]

• العوامل السياسية: سادت الديمقراطية في مدن اليونان القديمة، وكان الأفراد يتمتعون بالحقوق والواجبات ذاتها دون تمييز، سواءً أكانوا حضرًا أم قرويين؛ حيث كانوا ينتخبون النواب نفسهم، ويعقدون الاجتماعات معًا، ويُفصل في قضاياهم في نفس المحاكم.
• العوامل الاقتصادية: بفضل الموقع الاستراتيجي لليونان القديمة، فقد برزت فيها أنشطة عززت من اقتصادها، بما في ذلك الصناعة، والتجارة، والملاحة البحرية، وقد كان لهذه الأنشطة دور في الاستعاضة عن المقايضة بالنقود في التجارة، فضلاً عن أنها ساهمت في ظهور التقسيمات في العمل، والمبادرة الحرة على مستوى الفرد.
• العوامل الفكرية: ساهمت الديمقراطية التي سادت في اليونان القديمة في تنمية الفكر اليوناني القديم أيضًا، من خلال دورها في جعل الثقافة، والمعرفة، والحقيقة، متاحة للجميع، وقد ساهم هذا في تطور الفكر الفلسفي من خلال تشجيع الديمقراطية عرض الحجج، وإجراء النقاشات دون قيود، والتعبير عن الآراء، وذلك في إطار الأنشطة السياسية.
• العوامل الاجتماعية: أدى تقسيم العمل في اليونان القديمة إلى ظهور طبقة الأحرار وطبقة العبيد، كما ظهرت الدولة المدينة التي ساد فيها الانسجام، الفكر المنبثق من منظورٍ جديد، فضلاً عن تطورها على مستوى الأفراد والبنية التحتية.
• العوامل الثقافية: اعتبرت الثقافة من أهم سمات المجتمع اليوناني قديمًا، ولم تكن مقتصرة على عائلات أو شخصيات محددة، من المثقفين والأدباء، وقد ساهم في ذلك إتقان جميع الأفراد للكتابة والقراءة، بالإضافة إلى أنّ الفعاليات والأحداث الأدبية والفنية كانت تقام، وكان يسمح للجميع بحضورها.