أدوات فعل التفلسف: شرح تفصيلي

يمكن تعريف فعل التفلسف على أنه ممارسة التفكير من وجهة نظرٍ فلسفية، أو ممارسته بتأملٍ وعمق،^[١] ويعتمد فعل التفلسف بشكلٍ أساسي على ثلاث أدوات، نستعرضها، إلى جانب أهم تفاصيلها في العناوين التالية في هذا المقال:^[٢]

السؤال

تختلف الأسئلة في الفلسفة عن الأسئلة العادية من عدة نواحٍ؛ فالأسئلة في الفلسفة ليس بالضرورة أن تكون لها إجابات، وحتى إجاباتها قد لا تكون مباشرةً وواضحة، ولهذا، يعتبر السؤال من أدوات فعل التفلسف، لأنه إلى جانب ذلك يتطلب تفكيرًا عميقًا، ويساعد الفرد في فهم نفسه والعالم من حوله، ويتناول موضوعاتٍ قد لا تكون من اختصاص الأسئلة العادية أحيانًا، كتناولها للحياة الآخرة، والأخلاق، ونشأة الكون، والطبيعة البشرية، علاوةً على ذلك، لا يستدعي السؤال في الفلسفة القيام بالبحث للتوصل إلى الإجابات؛ بل يستدعي توظيف مهارات التفكير، والانفتاح على آراء وأفكار الآخرين، بما في ذلك تلك التي تعتبر مخالفةً ومعارضة، وهو بهذه الطريقة يُشجع على النقاش وتبادل الآراء المختلفة، وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ السؤال الفلسفي بشكلٍ عام يُطرح فقط على أولئك الذين يتحلون بالمعرفة؛ لأنه بإيجازٍ يشك في إجابات الأسئلة المطروحة بشكلٍ مسبق، ويعتبر هذا الشك من أشكال المعرفة، وعند النظر إلى بدايات الفلسفة، نجد أنّها قامت في الأساس على طرح الأسئلة، وكان الفيلسوف سقراط من ضمن الفلاسفة الذين طرحوا الأسئلة الفلسفية، أما أنواع السؤال في الفلسفة، فقد تطرق لها الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، واعتبر أنّ هناك نوعين من السؤال الفلسفي، نوضحهما فيما يلي:^[٣][٤]

• السؤال الفلسفي اليوناني القديم: يُمثل هذا السؤال النوع الأول من أنواع الأسئلة الفلسفية، وقد وصفه الفيلسوف طه عبد الرحمن على أنه "عملية فحصٍ وتمحيص"، تكون بدايتها بطرح سؤال عامٍ حول أحد المفاهيم، وعند التوصل لإجابة هذا السؤال، ينبثق سؤال آخر من الإجابة وهلم جرَّا، وباختصار، يصح القول إنّ الغاية من السؤال الفلسفي اليوناني القديم هي توليد الأفكار.
• السؤال الفلسفي الأوروبي الحديث: يمتاز النوع الثاني من أنواع السؤال في الفلسفة، عن النوع الأول، بأنه "سؤال نقدٍ لا فحص"؛ حيث يتم فيها الاعتماد على العقل في تناول (نقد) مختلف المواضيع، وذلك للتأكد من مصداقيتها، وكل هذا يجري في حدود العقل.

الشك

ثاني أداة نتناولها من أدوات فعل التفلسف هي الشك، والذي يُعرف في السياق الفلسفي على أنه تعريض ادعاءات المعرفة، بخصوص موضوعٍ ما، إلى الطعن في مصداقيتها، والشك في مدى موثوقيتها، وعدم الأخذ أو الرضا بها، وذلك بغرض مواصلة البحث عن الحقيقة، والتوصل لتفسيرات متعلقة بها، ولتحفيز كل ما هو جديد من أشكال المعرفة والأفكار المختلفة، ويشتمل الشك، باعتباره أداة تفلسف، على فحص جميع المعارف فحصًا نقديًا صادقًا، لدرجة أنّ الشك بات معيارًا يتم على أساسه تحديد ما إذا كانت الفلسفة حقيقةً أم لا؛ أي أنه لا وجود لأي فلسفة حقيقية دون وجودٍ للشك من الأساس.^[٥][٦]

الدهشة

بالنسبة للدهشة، فهي تعتبر واحدةً من أدوات فعل التفلسف بناءً على سببٍ رئيسي واحد، ألا وهو أنّ الدهشة هي ما حفز البشر على ممارسة التفلسف في الأصل، فالبشر في سالف الأزمان واجهوا أمورًا وظواهر أثارت في نفوسهم الغرابة، والعجب، واستشعار الجهل، كما أنّ التفسيرات والإجابات التي كانت بين أيديهم بخصوص هذه الأمور والظواهر، لم تكن مقنعة لهم، وهذا الأمر دفعهم إلى التساؤل، والبحث، والسعي المستمر، للتوصل إلى ما يقنعهم، وبالنسبة لمكانة الدهشة في الفلسفة؛ فهي بمثابة طرف الخيط الموصل إلى الحقيقة بخصوص مختلف المعارف، وقد وصفها أرسطو على أنها "الأم التي أنجبت الفلسفة"، ولا بدّ من ذكر أنّ البشر، وعلى الرغم من توجههم إلى الدهشة في بادئ الأمر بغرض البحث عن الحقيقة والانتفاع منها، إلا أنه مع مرور الوقت بات توجههم إلى الدهشة فطرًيا، وبدافع الفضول، وبغرض اكتشاف ما في هذه الحياة من أسرار وخبايا.^[٧][٨]