مفهوم الفلسفة الراشدة

عند التأمل بالتعريفات العديدة للفلسفة، نجد أنّ كثيرًا منها يربطها بالعقل وتوظيفه؛ بمعنى أنّ الفلسفة إعمالٌ للعقل، تكون الغاية منه فهم حقيقة وجوهر الأمور، والتي منها طبيعة الوجود والعالم، بالإضافة إلى حدود المعرفة واستخداماتها، ومبادئ الأحكام الأخلاقية، وهناك من يصف الفلسفة على أنها "أسلوب حياة" قائم على العقل،[١][٢] والفلسفة بطبيعة الحال سبيلٌ يوصل من يتبعه إلى الارتقاء بعقله وبقدرته على التفكير، وذلك لأنها تحفز العقل على التساؤل بشأن مختلف الموضوعات، والسعي لتحليلها وفهمها، وهذا الأمر ينشأ منه تعارضٌ مع التبعية والتقليد، والذي يُعد على العكس تمامًا من إعمال العقل، ويمكن وصفه على أنه انتكاسةٌ للعقل، وإخماد لقدراته وللفوائد المرجوة منه، ولأن الفلسفة قائمة على استخدام العقل، ونبذ التقليد والتبعية، فإنّ دورها هذا لا يتعارض مع ما جاء به الدين الإسلامي، ومن هنا نشأ مفهوم "الفلسفة الراشدة"، ليُشير إلى تلك الفلسفة التي يُسعى منها التوصل إلى حقائق تُثبت الإيمان في القلب، وذلك كونها تجمع بين "المعقول" و"المنقول"، والمقصود بالمعقول هنا "العقل"، في حين أنّ "المنقول" يُشير إلى "القرآن الكريم والسنة النبوية"، وبعبارة أخرى، تعتبر الفلسفة الراشدة نهجًا للتفكير، الغاية منه نيل الحقائق والوصول إليها، وذلك لأنّ هذه الفلسفة تجمع بين "إعمال العقل" والاهتداء بما يرد في القرآن والسنة، وتمتاز الفلسفة الراشدة بأنها تجمع بين نور الوحي من جهة، ونور العقل من جهة أخرى، وتدعو إلى الوصول إلى الحقائق الإيمانية، والتيقن منها، اعتمادًا على "التأمل الفكري" و"البرهان العقلي".[٣][٤]


دور التفكير الفلسفي في الفلسفة الراشدة

يتسم التفكير الفلسفي بأنه مسعىً للمعرفة، وبحثٌ عن الحقيقة، لا يعترف بالحدود التي قد تعيق الغاية منه،[٥] والفلسفة الراشدة قائمة على التفكير الفلسفي الموضوعي، الذي يُوصل إلى الحقائق الإيمانية الموجودة في الدين الإسلامي؛ فعندما يُعمل المرء عقله بالتفكير الفلسفي، تتجلى أمامه البراهين والأدلة التي تُرسخ إيمانه وتقويه، ولا يغدو المرء في هذه الحالة محض "مقلدٍ" يعتمد على العادات والتقليد في إيمانه؛ بل يغدو عارفًا بالله بناءً على ما يرضي عقله من أدلة وبراهين تثبت الحقائق ذات الصلة بالإيمان، والفلسفة الراشدة بهذا الشكل القائم على العقل تمهد الطريق للفلاسفة للوصول إلى الحقائق الإيمانية، والتي منها وجود الخالق عز وجل، وحقيقة تسييره وتدبيره لكل ما في هذا الكون من شؤون، بالإضافة إلى ما يخص مسائل الآخرة، والبعث، ويوم القيامة، وغيرها.[٣][٤]


الفلسفة الراشدة والإيمان الحق

ميز الله تعالى الإنسان عن سائر المخلوقات بالعقل، الذي هو أساس التفكير الفلسفي الموصل للحقائق الإيمانية، والذي تقوم عليه الفلسفة الراشدة، والفلسفة في هذا السياق مثلها مثل العلوم الأخرى التي تنفع المرء وتقوي إيمانه، لأنّها تشتمل على التأمل والتدبر في مختلف المسائل ذات الصلة بالإيمان، والتي يجري التثبت منها من خلال التوصل إلى الأدلة العقلية المجردة، أو الأدلة العقلية التي يدعمها ما جاء بالقرآن والسنة النبوية، والفلسفة الراشدة بهذا الشكل تجعل من العلاقة بين الدين والفلسفة علاقة توافقية وتكاملية، لأنها ترى أنّ هناك غاية مشتركة بينهما؛ ألا وهي التوصل إلى الحقيقة، والتقين والتثبت بشكلٍ كامل منها، ومن هذا المنطلق، يصح القول إنه لا تعارض بين كل من الإيمان الحق والفلسفة الراشدة، لأن الأخيرة سبيل يتم التقرب من خلاله من الله، وتقوية العلاقة معه، وهي أيضًا سبيل لتقوية الإيمان وترسيخه.[٣][٤]


المراجع

  1. "philosophy", dictionary.cambridge, Retrieved 25/4/2023. Edited.
  2. "philosophy", britannica, Retrieved 25/4/2023. Edited.
  3. ^ أ ب ت موقع الدعم المدرسي آلوسكول، الإيمان والفلسفة، صفحة 1-2. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت موقع الدعم المدرسي آلوسكول، الإيمان والفلسفة، صفحة 1-2. بتصرّف.
  5. "Lesson Explainer: Benefits of Philosophical Thinking", nagwa, Retrieved 25/4/2023. Edited.