مفهوم الحقيقة في الدلالة الفلسفية

تعريف الحقيقة في الفلسفة

تعتبر الحقيقة من أهم المواضيع التي تتناولها الفلسفة، ولطالما كان هذا الموضوع مطروحًا للنقاش من قبل مختلف الفلسفات والفلاسفة، وفي السياق الفلسفي تُعرف الحقيقة على أنها الصفة أو الميزة، التي تتسم بها الافتراضات، والمعتقدات، والأفكار، والعبارات، والادعاءات، ليتم اعتبارها مثبتة، وواقعية، وصحيحة، وتتمثل أهمية الحقيقة في الحياة بأنها تعتبر الغاية التي يُهدف للتوصل إليها من خلال الإيمان وتبني المعتقدات، كما أنّ البشر يحتاجون إلى الحقيقة في هذا العالم ليواصلوا العيش فيه بازدهارٍ؛ حيث إنّ الإيمان بما لا يعتبر "حقيقيًا" يؤثر سلبًا على معيشة الناس، لدرجةٍ قد تصل بهم إلى الهلاك، بالإضافة إلى ذلك، يعتبر السعي وراء الحقيقة سمةً تُميز الأشخاص الصالحين، فكل من يسعى إلى الحقيقة يعتبر إنسانًا جيدًا وصالحًا، وبسبب الأهمية الكبيرة للحقيقة في الحياة، فإن تشويهها ومحاولة تزييفها قد يترتب عليه عقوباتٌ اجتماعية وقانونية.^[١][٢]

مفهوم الحقيقة عند الفلاسفة

كما ذكرنا سابقًا، تعتبر الحقيقة من المواضيع التي طرحت مختلف الفلسفات والفلاسفة وجهات نظرٍ عديدة بخصوصها، وفيما يلي استعراض لأبرز آراء الفلاسفة بخصوص مفهوم الحقيقة وغيرها من التفاصيل ذات العلاقة بهذا الموضوع:

الحقيقة في الفلسفة اليونانية

من أهم الفلاسفة الإغريق الذين تطرقوا إلى مسألة الحقيقة ومفهومها:

• الحقيقة عند سقراط: لم يضع الفيلسوف سقراط تعريفًا خاصًا به للحقيقة، لكنه آمن أنّ الحقيقة تتمثل، من وجهة نظره الخاصة، في التشكيك بالأمور التي يؤمن بها الآخرون، كما اعتبر أنّ الحقيقة تنبثق من اكتشاف المعاني الحقيقية للمفاهيم والأفكار الأساسية في هذا العالم، مثل: الخير والشر، والاستقامة، والتقوى، وغيرها.^[٣]
• الحقيقة عند أفلاطون: اعتقد أفلاطون أنّ الحقيقة موضوعية؛ بمعنى أنّ العقل البشري قادرٌ على إدراكها إذا تمّ توظيفه لهذه الغاية بالشكل الصحيح، واعتبر أنّ معرفة الحقائق أمرٌ ممكن، وأنّ هناك حقائق لا بدّ من اكتشافها، ويدل رأيه هذا على رفض التشكيك بأن الإنسان يمتلك المعرفة.^[٤]
• الحقيقة عند أرسطو: عرف أرسطو الحقيقة في عبارةٍ مشهورة تنسب إليه ويقول فيها أنّ الكذب هو أن تنسب للشيء ما ليس فيه، أو أن تنكر ما فيه في الواقع، في حين أنّ الحقيقة هي أن تعترف بالشيء كما هو، ولا تغير شيئًا مما يمتلكه أو يفتقر إليه.^[٥][١]

الحقيقة في الفلسفة الحديثة

تناول عدد من فلاسفة الفلسفة الحديثة موضوع الحقيقة، ومنهم الفلاسفة الآتي ذكرهم:

• الحقيقة عند ديكارت: عرف الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (بالفرنسية: René Descartes)‏ الحقيقة على أنها ما يتسم به الفكر من وضوح وتميز، واعتبر أنّ الحقيقة أقوى من أي شك؛ بل أن الحقيقة لا تقبل الشك أبدًا، على عكس الشكوك، التي قد تكون زائفة ولا علاقة لها بالحقيقة.^[٦][٧]
• الحقيقة عند لوك: بالنسبة للفيلسوف الإنجليزي جون لوك (بالإنجليزية: John Locke)، المعروف بإنجازاتهِ في الفلسفة السياسية، فقد اعتبر أنّ محاولة إدراك الحقيقة والتوصل إليها من خلال استخدام العقل، بالإضافة إلى تحديد أدوار المؤسسات، سيساهم في تحقيق الرفاهية والازدهار للإنسان والمجتمع الذي يعيش فيه، على الصعيدين الروحي والمادي.^[٨]
• الحقيقة عند كانط: تطرق الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (بالألمانية: Immanuel Kant) لمسألة الحقيقة في سياق الإفصاح عنها؛ حيث اعتبر أنّ قول الحقيقة والإفصاح عنها هو واجبٌ أساسي يتحتم على الشخص القيام به، ولا يمكن أن يطغى عليه واجبٌ آخر، ولا أن يتأثر بقيمٍ أخرى، حتى أنه اعتبر أنّ قول الحقيقة أهم من مشاعر الآخرين التي قد تتأثر بها، وأهم من حياتهم.^[٩]

الحقيقة في الفلسفة المعاصرة

من فلاسفة الفلسفة المعاصرة الذين لهم آراء بخصوص الحقيقة وماهيتها ما يلي:

• الحقيقة عند نيتشه: تعتبر الحقيقة عند الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (بالألمانية: Friedrich Nietzsche)‏ من الأمور المستحيلة، كما اعتبر نيتشه أنّ ما في هذا العالم ما هو إلا تفسيرات ووجهات نظر منبثقة من إرادة الإنسان الطامحة لنيل القدرة والقوة، ومن مصالحه الشخصية.^[١٠]
• الحقيقة عند راسل: اعتبر الفيلسوف البريطاني بيرتراند راسل (بالإنجليزية: Bertrand Russell)‏‏ أنه يمكن فهم الحقيقة من خلال الطريقة التي تصف فيها معتقداتنا الواقع؛ حيث تكون هذه المعتقدات خاطئة إن لم تُعبر عن الأمور، والأحداث، والأوضاع بطريقة دقيقة وصحيحة، في حين تكون هذه المعتقدات صحيحة في حال توافقها مع ما يعتبر حقيقيًا.^[١١]
• الحقيقة عند سارتر: وصف الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر (بالفرنسية: Jean-Paul Sartre)‏ في إحدى آرائه الحقيقة على أنها شأنٌ بشري يختص به الناس، وهي تتطور مع مرور الوقت؛ بمعنى أنها لا تتخذ شكلاً ثابتًا، ولا يتم اكتشافها مرةً واحدة وبشكلٍ معين تضل عليه إلى الأبد.^[١٢]