غالبًا ما ينسب تأسيس الفلسفة الحديثة إلى رينيه ديكارت المُلقَّب بـ"أبو الفلسفة الحديثة"، ويعود السبب وراء هذا اللقب إلى انفصال رينيه ديكارت عن الفلسفة المدرسية الأرسطية التقليدية التي كانت منتشرة في زمنه، واتجاهه نحو تطوير ونشر ما يعرف بالفلسفة الآلية "Mechanical Philosophy".[١]
نبذة عن حياة رينيه ديكارت
ولد رينيه ديكارت في 31 مارس 1596م في المدينة الفرنسية لا هاي القريبة من مدينة تور، وقد توفت والدته بعد فترة وجيزة من ولادته، ليعيش طفولته هو وأخوته مع جدته، ثم أكمل دراسته في الكلية اليسوعية في منطقة لافلش التابعة لإقيلم سارت، فدرس المنهج الفلسفي والقواعد والبلاغة، والعلوم والفلك والهندسة والرياضيات، وغيرها، ثم أخذ العديد من الدورات في الفلسفة الطبيعية والميتافيزيقيا والأخلاق، بالإضافة إلى دراسته الواسعة في الفنون الليبرالية، إلا أن انتهى من الدراسة في لافلش عام 1614.[١][٢]
يُقال إن رينيه ديكارت كان من عائلة برجوازية تضم الكثير من الأطباء والمحاميين، وهذا ما جعله محاميًا وأحد أعضاء البرلمان الإقليمي لفترة طويلة من حياته المهنية، وبالرغم من غموض بعض الفترات من حياته، إلا أنه حصل على شهادة في القانون المدني والقانون الكنسي (تشريعات الكنيسة) من جامعة بواتيي الفرنسية، كما يقال إنه تعرض إلى اضطرابات عصبية في فترة من حياته، إلى أن انتقل إلى العيش في باريس.[١][٢]
انتقل رينيه ديكارت إلى هولندا عام 1618 ليصبح متطوعًا في جيش موريس فان ناساو، فالتقى في تلك الفترة بالفيلسوف الهولندي "إسحاق بيكمان" الذي كان له تأثير كبير على إعادة اهتمامات رينيه بالعلوم والتقنيات الرياضية، فألف ديكارت أطروحة (Compendium Musicae) عن الموسيقى كهدية لبيمكان، واستمر ديكارت ببذل جهود في تعلم المسائل الرياضية والميكانيكية مع بيمكان، إلا أن قرر ديكارت ترك الجيش والانتقال إلى ألمانيا.[١][٢]
في عام 1619م، استقر ديكارت في المدينة الألمانية "أولم" محاولًا تحقيق أحلامه في إيجاد طريقة جديدة للبحث العلمي وتصور علم موحد، فبدأ بكتابة مسودات عن القواعد الإحدى عشر في توجيه العقل، كما عمل في العديد من المشاريع العلمية، ثم انتقل ديكارت إلى هولندا عام 1628م، بهدف الانعزال والعمل.[١][٢]
بدأ ديكارت التوجه إلى تأملاته الفلسفية الأولى عام 1639م،حتى نُشرَت تأملاته باللغة اللاتينية عام 1641 مع مناقشاته مع فلاسفة أخرى عنها، تم نشر الطبعة الثانية منها بعد عام، والتي تضمنت الطبعة الثانية مجموعة من اعتراضات الفلاسفة وردود ديكارت عليها، بالإضافة إلى رسالة وجهها ديكارت دفاعًا عن نظام ردع تهم الأونورثودوكسي (Unorthodoxy).[١][٢]
استمرت أعمال ديكارت الفلسفية وتنقلاته المستمرة بين البلاد، إلا أن انضم في نهاية حياته إلى بلاط ملكة السويد "كريستينا" في ستوكهولم عام 1649م، ولم يبق فيها فترة طويلة، فقد أصيب ديكارت بالتهاب رئوي أدى إلى وفاته في 11 فبراير عام 1650م عن عمر يناهز 53 عامًا.[١][٢]
رينيه ديكارت والفلسفة الحديثة
قدّم ديكارت فلسفة جديدة ومختلفة عن الفلسفة القديمة التي اعتمدها أرسطو واستمر الفلاسفة فيما بعده بتحليلها، وبالرغم من أن الفلسفة الأرسطية كانت في زمن ديكارت أمرًا مقدسًا، إلا أن ذلك لم يمنع وجود من المعارضين لهذه الفلسفة، وأبرزهم ديكارت، الذي دافع عن تنفيذ اتجاهات الفلسفة الحديثة التي أسسها، فبداية قام ديكارت برفض العديد من التفسيرات الفيزيائية الجوهرية، كما أنه أنكر فكرة الفلسفة القديمة لأرسطو القائمة على أن المعرفة يجب أن تأتي من الإحساس، إذ يرى ديكارت أن الحواس قد تكون خدّاعة أحيانًا، لذا لا يمكن الاعتماد عليها للمعرفة، وإنما هي مجرد احتمالية وليست حقيقة، لذا قام باستبدالها باليقين المعتمد على أفكار واضحة بواسطة العقل وحده.[١][٣]