ما هي الفلسفة الرواقية؟

مفهوم الفلسفة الرواقية

الرواقية (بالإنجليزية: Stoicism)؛ فلسفة يونانية قديمة، تسعى لتعليم الإنسان التغلب على المشاعر المدمرة من خلال تطوير ضبط النفس والشجاعة، وتتجنب الرواقية القضاء على المشاعر المدمرة، وتقوم بدلاً من ذلك بإعادة تشكيلها لتحقيق الزهد للإنسان، المتمثل بالامتناع الذاتي عن الملذات الدنيوية؛ الأمر الذي يوصله للغاية النهائية المطلوبة، والمتمثلة بتحرره من المعاناة، وتحقيق السلام الداخلي، والقدرة على إصدار الأحكام الصحيحة.^[١]

تاريخ الفلسفة الرواقية

بدأت الفلسفة الرواقية في اليونان القديمة، وتقوم على مبدأ التميز الأخلاقي، وتعتبره الهدف الأساسي الذي تُسخر لأجله الحياة، ومن أهم ما يذكر عن تاريخ الفلسفة الرواقية:^[٢][٣]

• أسس الفلسفة الرواقية الفيلسوف الفينيقي زينون الرواقي (بالإنجليزية: Zeno of Citium)، وتحديدًا في العام 300 قبل الميلاد، وقد تأثرت فلسفته في نشأتها بتعاليم سقراط والفلسفة الكلبية/التشاؤمية (بالإنجليزية: Cynicism)، التي لا تثق بوجود الخير في طبيعة البشر، في حين ظهرت آراءٌ متضاربة ونقاشات بين الفلسفة الرواقية وبين كلٍ من النزعة الشكوكية (بالإنجليزية: Skepticism)‏، التي تشك في كل جوانب المعرفة والاعتقادات المفروضة، وبين المذهب الأبيقوري (بالإنجليزية: Epicureanism)‏، الذي يرى أنّ الألم يمثل الشر، وأنّ اللذة تمثل الخير.
• وعن تسمية الفلسفة الرواقية؛ فهي مأخوذة من المصطلح اليوناني "Stoa Poikile"، والذي يعني "الرواق المطلي"، والذي كان يمثل قديمًا أحد الأسواق المفتوحة في أثينا، والذي كان الرواقيون يجتمعون فيه، ويُجرون نقاشاتهم، ويتبادلون التعاليم.^[٤]
• وفي الفترة التي ظهرت فيها الإمبراطورية الرومانية، انتقلت الفلسفة الرواقية إلى روما، لتزدهر في تلك الفترة، ومع مرور الوقت، ومع تغير الأباطرة الرومان، مرت مكانتها بعددٍ من التقلبات؛ فهناك من الأباطرة من اضطهدها وقاومها، أمثال الإمبراطور الروماني التاسع فسبازيان (بالإنجليزية: Vespasian) والإمبراطور الروماني الحادي عشر دوميتيان (بالإنجليزية: Domitian)، في حين أنّ هناك أباطرةٌ اهتموا بها وسعوا للتعايش مع مبادئها، وكان أبرزهم الإمبراطور الروماني السادس عشر ماركوس أوريليوس (بالإنجليزية: Marcus Aurelius).
• وعن التأثير اللاحق للفلسفة الرواقية على الأفكار والمعتقدات الأخرى؛ فقد أثرت هذه الفلسفة على المسيحية، كما أثرت ايضًا على عدد من الشخصيات الفلسفية المهمة في مختلف العصور، أمثال الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (بالفرنسية: René Descartes)‏، والعالم الإنجليزي توماس مور (بالإنجليزية: Thomas More)‏، والفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا (بالهولندية: Baruch Spinoza)، أما في بداية القرن الحادي والعشرين؛ فقد شهدت الفلسفة الرواقية إحياءً بسبب ربطها بالعلاج السلوكي المعرفي في علم النفس.

مبادئ الفلسفة الرواقية

تقوم الفلسفة الرواقية على أربعة مبادئ أساسية يؤمن أتباعها بها،^[٥] وتاليًا استعراضٌ لتفاصيل كل واحدةٍ منها:^[٦][٧]

• الحكمة: تعتبر الحكمة أساس الفلسفة، ويُقصد بها القدرة على تمييز وفهم ما هو جيد وما هو سيئ، بالإضافة إلى تمييز الأمور التي تعتبر غير مهمة في حياة البشر، مثل المال والشهرة، وتكمن أهمية الحكمة في أنها تُمكن الفرد من اتخاذ القرارات اعتمادًا على المنطق والعقل، وإصدار الأحكام السليمة بناءً على ما اكتسبه من خبرة ومعرفة، وتتحدى الحكمة المعتقدات التي تنشأ من التجارب السابقة، وتسعى لتوليد معتقدات جديدة تناقض الجهل.
• الشجاعة: تعني الشجاعة التحلي بالجرأة، والثبات، والمقاومة التي تجعل الإنسان قادرًا على مواجهة تحديات وصراعات الحياة، كما تعني كذلك رفض الأحوال التي لا يشعر فيها الإنسان بالرضا عن نفسه، وعدم الخضوع للضغوطات التي يتعرض لها لقبولها، ولا تقتصر الشجاعة على الأفعال؛ بل تشمل في مفهومها أيضًا القدرة على التفكير بشكل صحيح في المواقف المخيفة والخطرة.
• العدالة: إن تحلي الإنسان بالعدالة يعني أن يكون لطيفًا، ومحترمًا، ومتفهمًا، وكريمًا مع الآخرين من حوله، واعتبر الفيلسوف الرواقي والإمبراطور الروماني السادس عشر ماركوس أوريليوس أنّ العدالة هي أساس كل المبادئ الأخرى، ويُقصد بالعدالة فعل ما هو صحيح ومنصف، في كل الأوقات، ولا سيما في أوقات الضعف والشدائد، ويُطلق عليها "فضيلة الأخلاق"، ويعاني الأشخاص الذين يفتقرون لها من معضلةٍ أخلاقية وفوضى عقلية، بسبب دورها المهم في تنظيم الحياة والأفعال، وإبقائها على صراط سوي.
• الزهد: يناقض الزهد كلاً من الجشع، والشراهة، والمغالاة في إمتاع النفس، والإدمان على الملذات، ويُقصد به ممارسة ضبط النفس في كل الحالات والأوقات التي يمر بها الإنسان، بما في ذلك أوقات الألم، والمتعة، والفشل، والانتصار، من خلال الحفاظ على اتزان النفس، ومنع ميلانها نحو ما يسبب لها الهلاك، وتشير إحدى أفكار الفلسفة الرواقية إلى أنّ الزهد من الأمور التي تميز البشر عن الحيوانات؛ فهو يجعل الإنسان قادرًا على التحكم في أفعالهِ وأفكارهِ.

أهم رواد الفلسفة الرواقية

من أهم الشخصيات التي تبنت فكر الفلسفة الرواقية:^[٨]

• لوكيوس سينيكا (بالإنجليزية: Seneca the Younger): فيلسوف وأديب روماني، ولد في جنوب إسبانيا قبل أكثر من 2000 عام، وتلقى تعليمه في روما، واشتهر بأفكاره ذات الطابع الرواقي، والتي رأى من خلالها أنّ الإنسان قادرٌ على تحقيق السعادة والوصول إلى الحكمة من خلال تحكمه في رغباته ومشاعره.
• أبكتيتوس (بالإنجليزية: Epictetus): فيلسوف روماني رواقي، ولد قبل 2000 عام تقريبًا في مدينة هيرابوليس (بالإنجليزية: Hierapolis)، وكان عبدًا لإحدى العائلات الثرية هناك، واشتهر أبكتيتوس بنظرية الواجبات، والتي قسمت واجبات الإنسان الأساسية إلى ثلاثة واجبات، وهي الواجبات نحو الذات، المتمثلة بطهارة الجسد بالماء، وبطهارة الروح من خلال رفض الآراء التي تخالف العقل والطبيعة، بالإضافة إلى الواجبات تجاه الآخرين، والتي تتمثل بقيام الإنسان بدوره الفاعل في المجتمع، وأخيرًا الواجبات نحو الله، والتي تنظم حياة الإنسان مع الإله في هذا العالم.
• كليانثس (بالإنجليزية: Cleanthes): كان كليانثس خليفة زينون الرواقي، والزعيم الثاني للمدرسة الرواقية، وقد ولد في أسوس في طروادة، وانتقل لاحقًا إلى أثينا، حيث بدأ هناك بحضور دروس زينون الرواقي في النهار، إلى جانب العمل في نقل المياه في الليل، واعتبر أنّ أسلوب حياته هذا يساعده في اكتساب الحكمة التي يطمح لها، ومن أهم أفكار كليانثس اعتباره أنّ الحكيم هو ذلك الشخص الذي يقبل القدر ولا يقاومه، وأنّ قبول الأقدار يجلب الخير للحياة، على عكس مقاومتها، الذي يجلب التعاسة.^[٩]