أولى الفلاسفة جهودًا عظيمة في فهم المعرفة التاريخية، فغيّرت الفلسفة مفاهيم التاريخ المتعارف عليها، حيث إنها لم تنظر إلى مفهوم التاريخ بأنه تسجيل للأحداث الماضية من خلال التركيز على الحدث وتفصايله الجزئية والأفعال الفردية أو البُنى الاجتماعية أو الوقت والمكان فقط، بل استبدلت الفلسفة مفهوم التاريخ إلى أسس اعتمدت على البحث على ما يخفي الزمان والمكان من عِبر لتعلمها، وإدراك جميع المعطيات الماضية التي أوصلت البشر إلى الحاضر، بهدف الوصول إلى نسيج كلي هدفه الوحدة والنظام.[١][٢]


ما هو مفهوم فلسفة التاريخ؟

يُعرف التاريخ في اللغة على أنه "جملة الأَحوال والأحداث التي يمر بها كائن ما"، أما اصطلاحا؛ فهو الماضي كما هو موصوف في الوثائق المكتوبة، والأحداث التي تحدث قبل السجلات المكتوبة تعتبر ما قبل التاريخ، وهو مصطلح شامل يتعلق بالأحداث الماضية بالإضافة إلى الذاكرة، واكتشاف، وجمع، وتنظيم، وعرض، وتفسير المعلومات حول هذه الأحداث، أما فلسفة التاريخ هو فن مستقل يضم تصورات فلسفية مختلفة عن التاريخ، ولكنها ركزت جميعها على تحليل الأحداث ومعرفة أسبابها ومدى تأثيرها على البشر، وما هو دور الإنسان في حدوثها، وقد اختلفت الآراء الفلسفية حول التاريخ باختلاف وجهات نظر الفلاسفة.[١][٢]


مفهوم التاريخ في الفلسفة ليس مجرّد سرد لأحداثٍ ووقائع؛ إنما هو دراسة وتحليل هذه الوقائع، ومعرفة السبب وراء حدوثها، وتأثيرها على الإنسان، ودوره في صنعها، ففلسفة التاريخ تهتمّ بدراسة الوقائع دراسةً كليّةً، لتستنبط القوانين التي تحكم حركة المجتمعات، وتقرأ دور الإنسان في صناعة التاريخ، أو تكبُّده.[١][٣]


على الرّغم من أنّ التاريخ هو تسجيل الأحداث التي حصلت في الماضي، ووصفها بالاعتماد على مبادئ علمية للوصول إلى الحقائق التاريخيّة، إلا أنّه أداة قيّمة وعلم ثَريّ لفَهم الحاضر، فما هو إلا مرآة الإنسان لمستقبله، حيث أنّ الربط بين الماضي والحاضر يُمكّننا من التنبّؤ بالأحداث المستقبليّة نتيجة الاعتماد على الأبحاث التاريخيّة وتحليلها، كما يُمكّنُ من فَهم الطرق التقليديّة التي أتاحت للقدماء من العيش، وفهم أساليبهم الاستراتيجية وطرق تفكيرهم.[١][٣]


ما هو مفهوم التاريخ عند الفلاسفة؟

في الحديث عن مفهوم التاريخ في الفلسفة، يجب إدراك أنّ النظرات الفلسفيّة متفاوتة ومتباينة، وأن نظرة فيلسوف ما قد تختلف كليًّا عن نظرة فيلسوف أو باحث آخر، حتّى الناظر للتاريخ بفلسفة عربية مختلف عن طابع الفلسفة الغربي، ولا يمكن نسيان فلسفة المسلمين في توثيق وتحقيق الروايات والأخبار التاريخية، بتضعيف بعضها واعتماد بعضها الآخر،[٤]وهنا سيتم ذكر أبرز تعريفات التاريخ والنظرات لابن خلدون وهيجل:


التاريخ عند ابن خلدون

يتميّزُ منهج ابن خلدون عند معالجة التاريخ بالشمول والسّعة في النظر للأحداث والمُجْرَيات، فنجد دراسته للتاريخ قائمة على البعدين الزماني والمكاني، ممّا أعطاه صفات المؤرخ الشامل بنزعة إسلامية لتضمينه شواهد من الآيات القرآنية والأحاديث، أمّا بالنسبة لمعنى التاريخ الفلسفي عنده فيقول: "علم يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم، حتى تتمّ فائدة الاقتداء في ذلك لمن يروقه في أحوال الدين والدنيا"، ومن تعريفه يُلاحَظ أنّه يسعى ليُسقِط نظرته التاريخية على الحاضر، ليتم توظيفها في تحسين أحوال الدين والدنيا.[٥][٦]


التاريخ عند هيجل

تتميز فلسفة هيجل بمنهجها الجدلي، أو ما يسمى بالديالكتيك، والذي ارتبط بشكل واضح بمفهومه للتاريخ العام والإنسانية، إذ يرى هيجل أن فلسفة التاريخ تعني دراسة التاريخ من خلال الفكر، لأن جوهر الإنسان هو الفكر، وأن تفسير التاريخ محكوم بمسار عقلي، لذا فإن تطور التاريخ هو المسار الذي طوّره العقل فقط، أما من الناحية الدينية، فيرى هيجل أن أحداث العالم التريخية جميعها لم تحدث صدفة؛ وإنما وراؤها حكمة إلهية لتوجيه العالم، وبالتالي فإن كل ما يحدث للعالم طبقًا لخطة إلهية حكيمة.[٧]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث "من التاريخ إلى فلسفة التاريخ: التأليف والتركيب "، مجلة اتحاد الجامعات العربية للآداب، اطّلع عليه بتاريخ 10/12/2022. بتصرّف.
  2. ^ أ ب موسوعة ستانفورد للفلسفة، فلسفة التاريخ، صفحة 2. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "Philosophy of History", plato.stanford, Retrieved 10/12/2022. Edited.
  4. "philosophy of history", britannica, Retrieved 10/12/2022. Edited.
  5. Khaldun realized that history,important to fill this gap. "Ibn Khaldûn's Philosophy of History", routledge, Retrieved 10/12/2022. Edited.
  6. "Ibn Khaldun and the Philosophy of History", philosophynow, Retrieved 10/12/2022. Edited.
  7. "Georg Wilhelm Friedrich Hegel: Philosophy of History", oxfordbibliographies, Retrieved 10/12/2022. Edited.