ما هو مفهوم الإرادة في الفلسفة؟

تُعرف الإرادة على أنه هبةٌ ممنوحة للإنسان، يكتسبها بشكلٍ طبيعي عند ولادته، وتمنحه الحرية للتفكير والقيام بالأفعال كما يشاء، ودون شروطٍ وقيود،^[١] وقد تطرقت العديد من الفلسفات والفلاسفة لمفهوم الإرادة، وما يتعلق به من جوانب مختلفة، وفي العناوين التالية في هذا المقال نستعرض عددًا من أهم هذه الآراء:

الإرادة في الفلسفة اليونانية

تطرق عددٌ من الفلاسفة الإغريق لمسألة الإرادة، وفيما يلي استعراضٌ لآراء عددٍ منهم بخصوصها:

• الإرادة عند سقراط: في معرض حديثه عن الإرادة الحرة، ربط الفيلسوف سقراط بينها وبين ضبط النفس، وقال إنّ انعدام ضبط النفس يعني أيضًا انعدام الإرادة الحرة، وذكر أنّ الأفراد الذين يفتقرون إلى القدرة على ضبط النفس، لا يمكنهم التمتع بالإرادة، كما ذكر في السياق نفسه أيضًا أنّ الجهل هو المُلام على وقوع الفرد في الأفعال غير المقبولة أخلاقيًا، وليست إرادته ما يدفعه لها.^[٢]
• الإرادة عند أفلاطون: حدد الفيلسوف أفلاطون شرطًا لتحقيق الفرد لإرادته الحرة؛ حيث قال إنّ الإنسان يشهد معركة متواصلة يخوضها في مواجهة رغباته الأساسية، ولكي ينجح الفرد في تحقيق الاستقامة الداخلية، عليه أن يُحرر نفسه من هذه الرغبات، عبر اكتساب عددٍ من الفضائل، والتي تشمل كلاً من ضبط النفس، والشجاعة، والحكمة، وفي هذه الحالة فقط، يستطيع الشخص كبح جماح نفسه، ومن ثم التوصل إلى الإرادة الحرة وتحقيقها.^[٣]
• الإرادة عند أرسطو: في الفصل الثالث من كتاب الأخلاق النيقوماخية (بالإنجليزية: Nicomachean Ethics)، الذي يعتبر من أهم الأعمال الفلسفية لأرسطو، يذكر الفيلسوف أرسطو أن هناك اختلافًا بشكل الإرادة الحرة بين الأفراد العقلانيين وغير العقلانيين، ويتمثل هذا الفرق في أنّ المجموعة الأولى (الأفراد العقلانيين) يمتلكون القدرة على القيام بالأمور، أو اختيار عدم القيام بها، وأنّ قدرتهم هذه طوعيةٌ وإرادية؛ أي بمحض إرادتهم، وتكون كما لو أنها مغروسة فيهم من الأساس، ويدركون جميع حيثياتها وظروفها.^[٤]

الإرادة في الفلسفة الحديثة

من الأمثلة على فلاسفة الفلسفة الحديثة، الذين تطرقوا إلى الإرادة، ومفهومها، وغيرها من المواضيع ذات الصلة، التالية أسماؤهم:

• الإرادة عند ديكارت: يرى الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت أنّ الإرادة هي قدرة الأفراد على القيام بشيءٍ ما، أو اختيار عدم القيام به، ووصفها ديكارت أيضًا بقوله أنّ معنى الإرادة يتجلى عندما يُطرح أمام العقل أمرٌ ما ليقوم إما بإنكاره، أو إثباته، أو تجنبه، أو السعي إليه، ولا يشعر الإنسان في لحظتها أنّ ميوله بخصوص هذا الأمر المطروح متأثرةٌ بأي قوىً خارجية.^[٥]
• الإرادة عند سبينوزا: إنّ رأي الفيلسوف باروخ سبينوزا، وهو فيلسوف هولندي ذاع صيته في القرن 17، بخصوص الإرادة يعتبر من الآراء المميزة بخصوص هذا الموضوع؛ فسبينوزا أنكر الإرادة الحرة، ونفى وجودها، وذلك لأنه رأى أنها تتعارض مع طبيعة الله، بالإضافة إلى تعارضها مع النواميس التي تخضع لها الأعمال البشرية.^[٦]
• الإرادة عند لوك: ربط الفيلسوف الإنجليزي جون لوك بين إرادة الإنسان وحريته؛ حيث قال إنّ الإرادة هي قوة الحرية، وأنّ الإنسان يمتلك الإرادة طالما أنه يتصرف بحرية، وفقًا لما تُمليه عليه رغباته.^[٧]
• الإرادة عند بيركلي: يعتبر الفيلسوف الأيرلندي جورج بيركلي من ضمن الفلاسفة الذين أيدوا امتلاك الإنسان للإرادة؛ فقد أشار في آرائه إلى أنّ الإرادة موجودة، وأنها تتسم بأنها "حرة"؛ بمعنى أنه لا وجود لما يقيدها أو يُحددها، وبناءً على ذلك، ارتأى بيركلي أنّ الإنسان هو السبب والمسؤول عمّا يصدر عنه من سلوك.^[٨]

الإرادة في الفلسفة المعاصرة

من الفلاسفة المعاصرين الذين كانت لهم آراء بخصوص موضوع الإرادة التالي ذكرهم:

• الإرادة عند نيتشه: في كتابه الذي بعنوان ما وراء الخير والشر (بالإنجليزية: Beyond Good and Evil)، انتقد الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه فكرة الإرادة الحرة، ووصفها بالفكرة الحمقاء، وبالغباء، واعتبر أنها نتاج الغرور، أو حب الذات، المفرط عند الإنسان، كما قال بأنها محض بلاهة وغباء فاحش.^[٩]
• الإرادة عند راسل: الفيلسوف الإنجليزي بيرتراند راسل من ضمن الفلاسفة الذين أنكروا امتلاك الإنسان للإرادة، ويُشير في أحد الأقوال المنسوبة إليه أنه أدرك هذا الأمر في سنٍ مبكرة، واعتمد في اعتقاده هذا على أنّ جميع الأشياء محكومة ومحددة بقوانين، وأنّ إرادة الإنسان بالتالي لا تمتلك حكمًا تستطيع من خلاله التأثير على أي شيء.^[١٠]
• الإرادة عند سارتر: بالنسبة للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، فقد آمن بالإرادة الحرة، واعتبر أنّ هذه الإرادة تناهض الادعاء القائل بأنّ خيارات الإنسان في الحياة محددة ومقيدة، وفي معرض حديثه عن حرية الاختيار، أشار أيضًا إلى أنّ الإنسان حرٌ في اختياراته، وأنه مسؤول في كل الأحوال عن نتيجة ما تملي عليه إرادته بشأن اختياره.^[١١][١٢]