شرح الحتمية فلسفيًا

مفهوم الحتمية في الفلسفة

في السياق الفلسفي، تُعرف الحتمية (بالإنجليزية: Determinism) على أنها ذلك الرأي الذي يعتبر أنّ كل ما يحدث في الكون، وكل أفعال البشر، والقرارات التي يتخذونها، وشكل الحياة التي يعيشونها، وكل ما يحدث لهم، هو نتيجة ظروف معينة، خارجة عن سيطرتهم، تعمل على تحديد طبيعة أفعالهم، وبناءً عليها تتحدد مصائرهم، وتعتبر الحتمية أنّ مثل هذه الأحداث لا مجال لتجنبها أو التملص منها؛ أي أنها حتمية الوقوع، ومقدرة مُسبقًا نتيجة سلسلة من الشروط والأحداث المسبقة، بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الحتمية أنّ الإنسان عندما يقوم بفعلٍ ما، أو يتخذ قرارًا معينًا، فإنّ ما يقوم به، أو يتخذه في هذه الحالة، من المستحيل أن يخالف فعله أو قراره الذي صدر منه، أو يختلف عنه؛ بمعنى أنه ليس صحيحًا اعتقاد أنه كان بالإمكان أن يتخذ قرارًا، أو يقوم بفعلٍ يختلف عمّا قام به، لأنّ قراره الذي توصل إليه حتميٌ، ومقدرٌ له الوقوع كما هو، وليس بشكلٍ مخالف.^[١][٢]

النشأة التاريخية للحتمية في الفلسفة

وفيما يلي، نستعرض عددًا من التفاصيل المتعلقة بالنشأة التاريخية للحتمية في الفلسفة:^[٣]

الحتمية في اليونان القديمة

يُنسب الفضل في ظهور الحتمية في اليونان القديمة، إلى كل من عالمي الذرة اليونانيين، من عصر ما قبل سقراط، ديموقريطوس (Democritus) وليوكيبوس (Leucippus)، اللذان كانا أول من وضع اللبنات الأولى لفرضية الحتمية الفلسفية عندما افترضا أنّ التفاعل الميكانيكي للذرات هو السبب في كل الظواهر التي تحدث في العالم، كما ساهم أرسطو لاحقًا في تطور الحتمية، بالإضافة إلى أتباع الفلسفة الرواقية.^[٤]

الحتمية في الفلسفة الشرقية

ظهرت الحتمية في الفلسفة الشرقية في مذهب "النشأة المعتمدة/Dependent Origination" التابع للفلسفة البوذية، والذي يعتبر أنّ مجموعة معقدة من الأسباب، ناتجة، أو متولدة من مجموعة من الأسباب الأخرى، هي أساس كل الظواهر والأحداث في الكون، ولا يمكن التخلص من هذه الأسباب، دون أن تزول معها ما تُسببه، وتوصف هذه الأسباب على أنها ليست عشوائية، وفي أحد الأقوال التي تُنسب إليه، عبر بوذا عن فرضية الحتمية، ودور الأسباب المرتبطة ببعضها في نشأة الظواهر، قائلاً: "بسبب هذا الشيء، يحدث ذلك الشيء. وبسبب ذلك الشيء، يحدث شيءٌ آخر."

الحتمية في الغرب

يعتبر الغرب أنّ هناك علاقة بين الحتمية والفيزياء النيوتونية، التي تعتبر بدورها أنّ الكون يسير وفق مجموعة من القوانين المعروفة وغير المتغيرة (الثابتة)، وتمتاز نظرية ميكانيكا نيوتن، والنظريات الفيزيائية التي جاءت بعدها، بأنها تصف الطريقة التي تعمل بها الأشياء، وذلك بسبب اعتمادها بشكل أساسي على التجربة والملاحظة، وقد آمن العلماء الغربيون بأنه لا بدّ من وجود قوانين طبيعية، تفسر أي شكل من أشكال الروابط المنطقية، بين كلٍ من الأسباب التي تؤدي للظواهر والعمليات، والآثار والنتائج التي تنجم عنها، مما أدى لاعتماد مجموعة من القوانين الطبيعية العالمية لتفسير مختلف الظواهر.

أنواع الحتمية في الفلسفة

إنّ للحتمية العديد من الأنواع، والتي نستعرض عددًا منها في النقاط التالية:^[٤][٥]

• الحتمية القوية (Strong Determinism): يشير هذا النوع من الحتمية إلى أنّ المستقبل قابل للتنبؤ به اعتمادًا على الحاضر، وأنّ الماضي يمكن التنبؤ به كذلك عند اكتشاف حادثٍ أو واقعة من سلسلة الأحداث التي تسببت به؛ بمعنى أنه لا وجود للوقائع والمواقف العشوائية، والتي تحدث دون سبب.
• الحتمية الضعيفة (Weak determinism): تعتبر الحتمية الضعيفة أنّ للاحتمالات دورًا في تشكيل الحاضر، وأنّه قد يكون لها علاقة بين ما يحدث في كل من الحاضر والمستقبل.
• الحتمية السببية (Causal Determinism): تعتبر الحتمية السببية أنّ الأحداث المستقبلية تعتمد في حصولها على أحداث الماضي والحاضر، وقوانين الطبيعة؛ بمعنى أنّ كل ظاهرة، أو حدث له سبب ونتيجة، وحصول الأحداث في وقت معين يلعب دور في تحديد شكلها.
• الحتمية المنطقية (Logical Determinism): ترى الحتمية المنطقية أنّ الماضي هو ما يحدد شكل المستقبل.
• الحتمية البيئية (Environmental Determinism): من الأسماء الأخرى لهذه الحتمية "الحتمية الجغرافية (Geographical Determinism)، وهي ذلك الرأي القائل بأنّ البيئة الطبيعية/المادية هي ما تتحدد الثقافة بناءً عليها، وليس بناءً على الظروف الاجتماعية؛ أي أنّ العوامل البيئية المتنوعة هي التي تحدد الطريقة التي يتصرف بها الفرد في هذا العالم.
• الحتمية البيولوجية/الجينية (Biological Determinism): تعتبر هذه الحتمية أنّ سلوكيات الإنسان، وغرائزه، ومعتقداته، ورغباته، تحددها جيناته، بناءً على طبيعتها التي لا تتغير.