مفهوم الأخلاق عند أرسطو وعلاقتها بالسعادة

إذا ما بحثنا عن مفهوم الأخلاق عند أرسطو؛ فسنجد أنه ربطها بتحقيق المرء للسعادة؛ بمعنى أنّ الأخلاق والفضائل هي الوسيلة التي توصل الإنسان للسعادة، التي تُعد من وجهة نظر أرسطو كذلك المقصد النهائي الذي يطمح البشر لبلوغه، ولا يُنال هذا المقصد إلا بتحلي الإنسان بشخصية أخلاقية بحتة، تحقق التوازن لحياته، وتغرس فيه قيمًا هو في أمس الحاجة لها في حياته، مثل الكرم، والمودة، والعدالة، والشجاعة، وفي سياق الحديث عن الأخلاق عند أرسطو، اعتبر أرسطو أنّ الفضيلة الأخلاقية أمرٌ لا توجد قواعد مُوجةٌ له؛ أي أنّ الإنسان إذا ما أراد التحلي بالأخلاق، فإنه لا يستطيع القيام بهذا عبر اتباع قواعد محددة، يطلع على مضمونها، ثم يطبقها عمليًا، فالأخلاق عند أرسطو يتم اكتسابها وتعلمها من خلال التجارب، والاستمرار في ممارستها عمليًا في مختلف مواقف الحياة.[١][٢]


كتاب الأخلاق النيقوماخية لأرسطو

الأخلاق النيقوماخية (بالإنجليزية: Nicomachean Ethics)، ويُسمى أيضًا "الأخلاق إلى نيقوماخوس"؛ هو كتابٌ من تأليف الفيلسوف اليوناني أرسطو، قام بإهدائه إلى ابنه نيقوماخوس (بالإنجليزية: Nicomachus)، وضمّن في محتواه آراءه وأفكاره عن موضوع الأخلاق والفضيلة،[٣] والتي نستعرض بعضًا من أهمها حسب ما جاء في هذا الكتاب في النقاط التالية:[٤]

  • العقل هو السمة المميزة للإنسان بين جميع الكائنات الأخرى، ولأن الإنسان كائنٌ عاقل وواعٍ، فإنه يتحمل المسؤولية الأخلاقية عن أفعاله، وعليه اختيار الطريقة الصحيحة دائمًا للقيام بالأمور، ولكن، ولأجل أن يصح اعتبار الإنسان مسؤولاً عن أفعاله من الناحية الأخلاقية، لا بدّ أن يتمتع بالحرية الكاملة، التي تتيح له القيام بالفعل بمختلف الطرق، دون فرض تحكمٍ عليه أو تقييد، وعندما يكون الإنسان حرًا، فإنه يتبنى الفضيلة الأخلاقية في كافة شؤون حياته؛ الأمر الذي يؤدي به في النهاية إلى تحقيق السعادة بمفهومها الحقيقي.
  • إنّ تحلي الإنسان بالفضيلة الأخلاقية يعني قدرته على تقدير المواقف وتقييمها بحكمة، واتخاذ الإجراءات المناسبة بخصوصها دون تهور أو اندفاع؛ فالفضيلة الأخلاقية تهتم بتحقيق التوازن في حياة الفرد، وتحقيق كل ما ينصب بمصلحته، ولتوضيح هذه النقطة نعرض المثال التالي الذي تطرق له أرسطو؛ فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك رجلٌ شجاعٌ يواجه خطرًا مُحدقًا به، فإنه في هذه الحالة لا يتهور ويرمي نفسه في الهاوية من منطلق أنه يتحلى بالشجاعة، بل تقوم فضيلته الأخلاقية في هذه الحالة بمنعه من التهور ومواجهة ما قد لا يقدر عليه، للحفاظ على سلامته، ويكون تصرفه في هذه الحالة حكيمًا، ويحمي مصلحته في المقام الأول.
  • تعتبر الأخلاق والفضائل من أعلى مراتب الخير، وفي بعض الأحيان، يحتاج من الإنسان للتحلي بها أن يتسم ببعض المزايا، كالمكانة الاجتماعية، والثروة، وحتى وجود الأصدقاء في حياته، وهناك أوقاتٌ يؤدي فيها افتقار الشخص لهذه المزايا إلى إعاقة تحليه بالأخلاق واتباع الخير، كأن يكون الشخص مفتقدًا إلى حريته، أو مفجوعًا بمصيبةٍ عظيمة أصابته، مثل فقدان إنسان عزيز عليه؛ فمثل هؤلاء لا يتوقع منهم أن تكون الفضيلة الأخلاقية وعمل الخير في أبهى صورها عندهم.
  • لا يكتسب الإنسان الأخلاق والفضائل بالفطرة؛ أي أنه لا يولدُ وهو مُكتسبٌ لها بشكلٍ طبيعي؛ فالأعمال الخيرة والصحيحة هي ما تنشئها فيه مع مرور الوقت، بالإضافة إلى ذلك، لا تتخذ الفضيلة الأخلاقية شكلاً واحدًا؛ فهي من وجهة نظر أرسطو تنقسم إلى نوعين، يشملان كلاً من فضيلة الشخصية، التي تدفع الفرد لتبني المبادئ الأخلاقية في أفعاله، كالجرأة والسخاء، وفضيلة الفكر، التي تدفع الفرد للتفكير بحكمة في كافة الأمور.


الأخلاق والسياسة عند أرسطو

ينظر أرسطو إلى الإنسان على أنه جزءٌ أساسي من الدولة، التي تتشكل أولاً من الأسرة، التي يكونها ارتباط الأفراد مع بعضهم من خلال الزواج وإنجاب الأبناء، وتؤدي كثرة الأسر وتواجدها في مكانٍ واحد إلى تكون الكيان الثاني من كيانات الدولة؛ ألا وهي القرية، في حين أنّ اتحاد مجموعة القرى التي يعيش فيها الأفراد يشكل الكيان الثالث للدولة، وهو المدينة، وعن علاقة الدولة بالأخلاق عند الإنسان؛ فهي مسؤولة في المقام الأول عن إحلال العدل في المجتمع، ومحاربة الظلم ومظاهره، ولهذا تأثيرٌ كبير يتمثل في تهيئة الأجواء المناسبة للناس في الدولة كي يتحلوا بالفضائل، وتسود بينهم، كما أنّ انتشار الفضيلة الأخلاقية في المجتمعات مرهونٌ أيضًا بتوفير الدولة للشعب متطلباتهم الأساسية التي تستقر الحياة بها، ولا يحتاجون لخرق الأنظمة والقوانين للحصول عليها.[٥]


المراجع

  1. "Aristotle: Pioneer of Happiness", pursuit-of-happiness, Retrieved 30/8/2022. Edited.
  2. "Nicomachean Ethics", sparknotes, Retrieved 30/8/2022. Edited.
  3. عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، صفحة 100. بتصرّف.
  4. highest good.-,Lesson Summary,the sake of something else. "Aristotle's Nicomachean Ethics and the Good Life", study, Retrieved 30/8/2022. Edited.
  5. جلول خدة معمر، الدراسات الفلسفية الأخلاقية في الفكر المغاربي المعاصر، صفحة 22-24. بتصرّف.