الفيلسوف منسيوس

الفلاسفة الصينيون معروفون بإنجازاتهم التي كان، وما زال، لها أصداءٌ وتأثير عميق على مستويات مختلفة، بما في ذلك على الصعيد الفكري والواقعي، ومن هؤلاء الفلاسفة: لاوتزه، وموزي، وزونزي، ومنهم أيضًا منسيوس،^[١][٢] والذي سنتناول الحديث عنه في هذا المقال:^[٣][٤]

نبذة عن الفيلسوف منسيوس

يعتبر الفيلسوف الصيني منسيوس (بالإنجليزية: Mencius) أحد أشهر الفلاسفة الصينيين، ويعتقد أنه عاش في الفترة من 372 إلى 289 ق.م، وهو من أهم الشخصيات في الكونفوشيوسية؛ حيث كان من أهم دعاتها، وكان بارعًا في شرحها، وتفسيرها، ونشر تعاليمها، وبسبب مساهماته في الكونفوشيوسية، يعتبر منسيوس أعظم شارح لها بعد الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، وهو رابع الحكماء الكبار في الكونفوشيوسية أيضًا، أما عن حياته:^[٥][٦]

• وُلد منسيوس في مملكة زو المعروفة اليوم باسم مقاطعة شاندونغ، وكان اسمه عند الولادة مينغ كو (MèngKē)، وبسبب الاحترام الذي حظي به في شرق آسيا، أطلق عليه اسم مينغ تزو (أي المعلم مينغ)، وقد اشتق الرهبان اليسوعيون في القرن 17 منه الاسم اللاتيني له (منسيوس).
• عندما كان منسيوس في الثالثة من عمره، توفي والده، وقد قامت والدته بتربيته بمفردها، وقد أقامت معه بمكانٍ قريب من إحدى المدارس عندما لاحظت ذكاءه وفطنته منذ سنٍ مبكرة.
• كانت والدة منسيوس امرأة حكيمة، وقد تعلم منها الكثير من القيم والدروس عن الحياة، كما تتلمذ منسيوس على يد العديد من المعلمين، بما في ذلك العلماء الكونفوشيوسيون، وقد كان معروفًا بالذكاء وقدرته الكبيرة على حفظ النصوص بسرعة.
• امتهن منسيوس التعليم، وسافر إلى مناطق مختلفة لنشر تعاليمه، التي أثرت بالعديد من أجيال الفلاسفة الصينيين، وتحديدًا تعاليمه التي تناولت مسائل الفضائل والارتقاء الأخلاقي، أما الكتابات التي ألفها، فقد استمر تدريسها لقرون طويلة.
• كان منسيوس يرى أنّ الدولة التي تولي اهتمامًا بمصالح المواطنين بدلاً من التركيز على الهيمنة على الآخرين ستزدهر بالتأكيد، ولهذا، أمضى منسيوس حياته مرتحلاً من مكانٍ لآخر، ساعيًا للعثور على حاكمٍ يتمتع بسمو الأخلاق ورفعتها، ويقبل تبني تعاليمه وتطبيقها على أرض الواقع، ولكنه لم يُوفق في ذلك، وعندما أدرك فشل مهمته، تقاعد من الحياة السياسية.
• في السنوات الأخيرة من عمره، قام منسيوس بتعليم نخبة من التلاميذ، وأمضى وقته أيضًا بتطوير منهجٍ يتعلق بفهم السياسة، وتهذيب الذات، والطبيعة البشرية.

فلسفة الفيلسوف منسيوس وإنجازاته الفلسفية

فيما يلي، استعراضٌ لأهم المعلومات عن فلسفة منسيوس وإنجازاته الفلسفية:

تفسير إنجيل كونفوشيوس

على الرغم من أنّ إنجيل كونفوشيوس، المسمى أيضًا بتعاليم كونفوشيوس، ومختارات كونفوشيوس (بالإنجليزية: Analects/Analects of Confucius/Sayings of Confucius) قد كتبه كونفوشيوس ليتضمن أفكاره وتعاليمه قبل أكثر من مائة عام من ولادة منسيوس، إلا أنّ الأخير قد اشتهر بالتفسيرات والشروحات التي قدمها بخصوصه، وقد شكلت تفسيرات منسيوس لإنجيل كونفوشيوس أساسًا للفكر الحديث في الكونفوشيوسية، كما قام بتوظيف فلسفته لنصرة عامة الناس، وعمل على كتابة دليلٍ موجهٍ للأفراد، لمساعدتهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، كما نادى بإجراء إصلاح ضريبي، وتحقيق الرفاهية لكبار السن، وإلغاء الفجوة بين الأثرياء والفقراء.

فلسفة منسيوس عن الطبيعة البشرية

من أهم ما يذكر عنها:

• تبنى منسيوس اعتقادًا لم يحظ بشعبية خلال حقبة الممالك المتحاربة (بالإنجليزية: Warring States period) الممتدة من 481 ق.م إلى 221 ق.م، وينص هذا الاعتقاد على أنّ البشر قد ولدوا أخيارًا، وقد أطلق على الخير الذي يولدون به، ويكون متأصلاً بهم "جين: Jen"، ويُشار إلى هذا الخير أحيانًا باسم "رين: Ren".^[٧]
• تُعرف الكونفوشيوسية هذا الخير (جين) على أنه تلك الرغبة التي تدفع إلى البحث عن الخير والتماسه عند الآخرين، وبسبب العنف الذي كان سائدًا خلال حقبة الممالك المتحاربة، فقد خالف كثيرون اعتقاد منسيوس هذا، وكانوا يرون أنّ الشر متأصل في طبيعة البشر.
• على الرغم من الرفض الذي واجهته فلسفة منسيوس بخصوص الطبيعة البشرية، إلا أنّ هذا لم يثنه عن الدفاع عن معتقداته؛ حيث أصر قائلاً إن سلوك الإنسان تُشكله البيئة التي يعيش فيها، وأنّ الذين يرتكبون الأفعال الشريرة لم يولدوا أشرارًا، ولكن ظروفهم هي التي عملت على تشكيل أفعالهم، وأنّ الناس يرتكبون مثل هذه الأفعال عندما يتعرضون لمواقف سيئة.
• لم تتزعزع مواقف منسيوس رغم الأحوال التي كانت سائدة في تلك الفترة، وكان يرى أن الاستقرار يمكن أن يسود الصين إذا تحلى الحكام بالصلاح.

نظرية تفويض السماء عند منسيوس

نظرية تفويض السماء (بالإنجليزية: Mandate of Heaven) هي أشهر النظريات السياسية المنسوبة لمنسيوس، الذي يرى فيها أنّ "السماء" هي التي تختار الحكام الأخيار، ولأن حق الحكم مصدره السماء، فإنّ هذا يعني أنها تمتلك حق انتزاع السلطة من الحاكم إذا أصبح ظالمًا، وفي هذه الحالة، ستمنح السلطة والقوة لحاكمٍ آخر يكون خيرًا، وعن تأثير هذه النظرية على الأجيال اللاحقة، فقد تسببت في تفسيرهم للكوارث الطبيعية والثورات الشعبية على أنّ السماء تقف وراءها، وأنها عبارة عن تدخل منها للتخلص من الحكام الظالمين، وقد تمّ توظيف هذه النظرية في فتراتٍ لاحقة في تاريخ الصين لتبرير اندلاع الثورات التي يجري على إثرها الإطاحة بالأباطرة الظالمين.

أشهر أقوال الفيلسوف منسيوس

نذكر من هذه الأقوال:^[٨]

• يكون الإنسان عظيمًا عندما يمتلك قلب طفل.
• أصدقاء المرء هم أشقاؤه الذين لم يهبهم الله له.
• الصدق هو الطريق إلى الجنة.
• الإنسان الذي يقوم بالكثير قادرٌ على القيام بالأمور العظيمة.
• لو لم يولد كونفوشيوس؛ لظل ليلنا الطويل بلا سراج ينيره.
• الشرير يخشاه البشر، لكن السماء لا تخشاه.
• عدم اختيار الوقت المناسب للتفوه بالحقيقة يتبعه عواقب وخيمة.