من هو الفيلسوف موزي؟

نبذة عن حياة الفيلسوف موزي

الفيلسوف موزي (بالإنجليزية: Mozi)، واسمه الحقيقي هو مو دي (Mo Di)، هو فيلسوف صيني، تشير آراء المؤرخين إلى أنه عاش في الصين، في الفترة الممتدة من العام 470 وحتى العام 391 قبل الميلاد، وقد كان موزي من أكثر الفلاسفة الصينيين تأثيرًا؛ حيث تبنى مذهبًا، يخص المجتمع، قائمًا على مبدأ الحب العالمي، وتوفير الحماية له عن طريق نظام المكافأة والعقاب، وفيما يلي استعراضٌ لأهم محطات حياة الفيلسوف الصيني موزي، والتي ساهمت في تشكيل فلسفته وتعاليمه:^[١][٢]

• تُشير المصادر إلى أن موزي قد ولد بعد بضع سنواتٍ من وفاة الفيلسوف كونفوشيوس، وتزامنت فترة نشأته مع الفترة التي كان فيها التسلسل ‏الإقطاعي، الذي أُسس في بداية عهد سلالة زو الحاكمة (تولوا الحكم من القرن 11 أو 12 قبل الميلاد حتى العام 256 ق.م)، قيد التفكك المتسارع، مما أدى إلى تقسيم الصين إلى دول إقطاعية صغيرة، ودائمة التقاتل فيما بينها، وواجه المفكرون آنذاك على إثر ذلك مشكلة، تتمثل في كيفية ردم الفوضى، ووقف تأثيرها على النظام السياسي والاجتماعي.
• تشير المصادر التقليدية أيضًا أنّ موزي كان من أتباع تعاليم كونفوشيوس، واستمر بذلك حتى تكون عنده اقتناعٌ يرى فيه أنّ الكونفوشيوسية لم تصب تركيزها بما فيه الكفاية على التعاليم الدينية، في حين أنها ركزت أكثر على الطقوس، ومن هنا قرر موزي أن يسير في طريقه الخاص، ومن أوجه الاختلاف الأخرى التي كانت بين كونفوشيوس وموزي، وأدت به لاختيار طريقه الخاص، أنّ كونفوشيوس كان أرستقراطيًا بكل ما تحمله الكلمة من معنىً، وكان يحلم بأن تعود الأيام لتكون مثل تلك التي في بداية سلالة زو الحاكمة، والتي كان يسودها السلام، والهدوء، وتتجلى فيها الأبهة والعظمة، أما موزي، فقد وجه انتباهه إلى عامة الناس، وإلى نوعية الحياة التي كانت بسيطة وبدائية، والتي كانت فيها العلاقات الاجتماعية في أفضل أحوالها.
• كان موزي قارئًا نهمًا، وكان مطلعًا على النصوص الصينية الكلاسيكية، وهذا الأمر تشابه فيه مع كونفوشيوس، وقد أمضى موزي أغلب سنوات عمره وهو يشد الرحال من دولة إقطاعية إلى أخرى، متأملاً أن يعثر خلال رحلاته هذه على حاكم يمنحه الإذن لتنفيذ تعاليمه وسياساته على أمر الواقع، ويقوم بتبنيها، والتي تمحورت حول إنهاء الحرب، والتخفيف من حدة الفقر، وتبني حكم الجدارة، المعروف أيضًا حكم الأخيار وميريتوقراطية (بالإنجليزية: Meritocracy)، وتحقيق الرخاء لجميع الناس.
• وفي فترةٍ وجيزة من حياته، شغل موزي إحدى الوظائف العامة، وواصل عيش حياة بسيطة للغاية، وأخذ تعاليمه على محمل الجد، واستمر كذلك في إدانة الحرب، ودعوة الناس لعيش حياةٍ بسيطة، وقد استقطب موزي العديد من الأتباع المؤيدين لتعاليمه، وقام بتأسيس المدرسة الموهية (بالإنجليزية: Mohism)، والتي روجت لفكرة الرعاية غير المتحيزة؛ بمعنى أنّ على الفرد رعاية، والاهتمام بالأفراد الآخرين، بشكلٍ متساوٍ، وغير متحيز، بغض النظر عن طبيعة علاقته بهم، وكان تأسيس هذه المدرسة الفلسفية خلال حقبة الممالك المتحاربة (475-221 ق.م)، كما قاد أتباعه إلى دولٍ بعيدة لأجل منع نشوب الحروب والاقتتال.^[٣]
• وعلى الرغم من الشهرة التي حظيت بها المدرسة الموهية آنذاك، إلا أنّ وجودها قد اندثر، وكان ذلك بعد القرن الثاني قبل الميلاد، وشهدت هذه المدرسة بعد وفاة الفيلسوف موزي انقسامًا فيما بينها، لتصبح ثلاث مدارس فلسفية.

فلسفة الفيلسوف موزي

فيما يلي استعراضٌ لعددٍ من الجوانب المهمة في فلسفة الفيلسوف الصيني موزي:^[٤][٥]

• قامت فلسفة موزي بشكلٍ أساسي على فكرة الحب العالمي (بالإنجليزية: universal love)، بالإضافة إلى تبني الحب والاحترام في التعاملات مع الجميع، ولكن أفكاره هذه تعرضت للانتقاد من قبل الكونفوشيوسية، والتي ترى أنّ على الأطفال إظهار المودة لوالديهم أكثر من الغرباء الذين لا صلة لهم بهم.
• يمكن وصف فلسفة موزي على أنها فلسفة تتمحور حول الإنسان العادي، وقد آمن أتباع هذه الفلسفة بمذهب النفعية (بالإنجليزية: Utilitarianism)، والذي يرى أنه لا بدّ من تجنب كل ما يعتبر مضيعة للمال، بما في ذلك ما تمارسه النخبة في المجتمع من طقوس، واحتفالات، وأنشطة تؤدي إلى إهداره.
• علاوةً على ذلك، ركزت المدرسة الموهية في تعاليمها على الأساليب التي تساعد على تطهير المجتمع من كل ما يعتبر سيئًا، والتي تساعد أيضًا في نشر الخير فيه، وتعرض أتباع الكونفوشيوسية للإدانة من قبل موزي وأتباعه، وذلك بسبب ما يميزهم من عقلياتٍ باردة تقليدية، بالإضافة إلى تبنيهم نهجًا متدرجًا في العلاقات والمسؤوليات.
• يرى موزي في فلسفته أنّ الجشع، وتغاضي الطرف عن الاهتمام بالآخرين، وغياب هذا النوع من الاهتمام، يؤدي بشكلٍ مؤكد إلى الفوضى، والاضطرابات، والفقر، كما يرى أنّ تحقيق نظام حكم، يكون أخلاقيًا وعادلاً، يتطلب أن يكون الحاكم صالحًا، وهذا الصلاح يتحقق عندما يبني الحاكم حكمه على الأخلاق، وما تتضمنه من توجهات ونزعات.
• علاوةً على ذلك، أضاف موزي أنّ تأسيس مجتمع قائم على الحب غير المتحيز يتطلب وجود نظام حكم، يمنح المكافآت بعدالة ودون تحيز، ويُعاقب بعدالة ودون حيز أيضًا.
• كما ذكرنا سابقًا، اعترضت الكونفوشيوسية على فكرة الحب العالمي في فكر موزي، والذي يدعو للاهتمام بالآخرين بغض النظر عن العلاقة معهم، وجادل الكونفوشيوسيون أنّ التحيز في الاهتمام، وتوجيهه إلى المقربين ليس عيبًا، أو هفوة أخلاقية؛ بل هو معزز للنظام الاجتماعي، ولكن أتباع الموهية اعتبروا أنّ التحيز للمقربين يُمثل مشكلة، وأنّ الحب العالمي هو ما يجب تبنيه بدلاً عنه، ويرى أتباع الموهية أنّ هذا التحيز يولد عددًا من المشاكل التي تتمثل في تفضيل المقربين على الآخرين في المواقف التي تستدعي العكس، وتجاهل عيوب أولئك المقربين، بالإضافة إلى محاباة الأقارب (المحسوبية).
• تجدر الإشارة إلى أنّ أتباع الفيلسوف موزي، قاموا بجمع وكتابة فلسفة معلمهم وتعاليمه في عمل يتكون من مجموعة من المقتطفات الفلسفية، وتمت تسميته باسمه (موزي)، أضف إلى ذلك أنّ الموهية كانت أول من روج للأخلاق العالمية المحايدة في الصين، وهذا الترويج كان له أثرٌ كبير على كلٍ من النظرية السياسية، والمنطق، واللغة، ونظرية المعرفة في الصين القديمة، كما أنّ فلاسفة صينيين، تأثروا بها، أمثال الفيلسوف منسيوس (بالإنجليزية: Mencius)، والفيلسوف زونزي (بالإنجليزية: Xunzi)، اللذان كان لأفكارهما رواجٌ واسع في الإمبراطورية الصينية، خلال أول ألفي عام لها.

أشهر أقوال الفيلسوف موزي

من الأمثلة على أشهر المنسوبة إلى الفيلسوف موزي الآتي ذكره:^[٦]

• كثيرٌ ممن خسروا بلدانهم أهملوا الفضيلة، وازدروا أهل العلم.
• عندما يتبادل جميع الناس في العالم الحب، فحينها لن يقهر القوي الضعيف، ولن تضطهد الأغلبية القلة، ولن يستهزئ الأثرياء بالفقراء، ولن يتعرض المتواضع للاحتقار من قبل المتكبر، ولن يخدع الماكر الشخص البسيط.
• كل ما في هذا العالم من مصائب، ونزاعات، وشكاوى، وكراهية، مصدرها نقص الحب بين الناس.
• يجب على حاكم الإمبراطورية، الذي تُميزه الحكمة، معرفة السبب الذي أدى لحصول الفوضى أولاً، إذا ما أراد فرض النظام، ووضع حدٍ لها.
• إذا أراد المرء تحقيق أي شيء، مهما كان، يجب أن يحدد أولاً معايير تُسهل طريقه، ومن دون هذه المعايير، لن يحقق شيئًا.