مفهوم الحدس الفلسفي
يُمكن تعريف الحدس (بالإنجليزية: Intuition) في السياق الفلسفي على أنه تلك "القدرة" التي تتيح لمن يتمتع بها اكتساب المعرفة بطريقة لا تعتمد على الخبرة، أو على العقل، أو على الملاحظة، أو على الاستنتاج القائم على الدليل والمنطق؛ أي أنّ الحدس يختلف عن مصادر المعرفة الأخرى، وهو مستقلٌ عنها، وبسبب تميزه هذا يتم توظيفه لتوضيح وتبيان المبادئ الأخلاقية بالإضافة إلى الحقائق الحتمية في بعض الأحيان،[١] ويُعرف الحدس كذلك على أنه قدرة النفس على إدراك وفهم ما يَظهر وما يَخفى من الحقائق، بشكلٍ فجائي ومباشر، دون الحاجة للاعتماد على المنطق وغيره من أدوات الاستدلال، وقد تطرق العديد من الفلاسفة لتعريف الحدس الفلسفي، كلٌ من وجهة نظره الخاصة، ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، الذي اعتبر أنّ الحدس هو أحد أشكال المعرفة العقلية، والتي تتسم بأنها مباشرة وفطرية، ولا يتم الاعتماد فيها على الخيال البعيد عن الحقيقة، أو على الحواس، ويتمثل دور الحدس عند الإنسان من وجهة نظره بأنه يُمكنه من إدراك فكرةٍ ما مرةً واحدة، أما الفلاسفة القدماء المسلمون، أمثال ابن سينا، والتهانوي، والجرجاني؛ فقد أجمعوا في آرائهم أنّ الحدس هو ما يصيب النفس البشرية من تمثلٍ للمعنى بشأن حقيقةٍ أو أمرٍ ما، ويكون هذا التمثل مرة واحدة، أي غير متعاقب أو على مراحل، كما يكون مفاجئًا.[٢][٣]
الحدس عند أفلاطون وأرسطو
الحدس ليس من المواضيع الجديدة التي تناولتها الفلسفة؛ حيث تطرق الفلاسفة منذ العصور القديمة إلى هذا الموضوع، ومنهم اثنان من الفلاسفة الإغريق، وهما الفيلسوف أفلاطون، وتلميذه الفيلسوف أرسطو، وبالنسبة للحدس عند أفلاطون، فقد اعتبره أساس الجدل في المنهج الجدلي الموصل إلى المعرفة، وقد تطرق أفلاطون للحديث عن هذا المنهج في العديد من محاوراته، واعتبر أنّ الإنسان إذا ما أراد بلوغ هذا المنهج المعتمد على الحدس، فعليه أن يسلك أولاً طريقًا طويلاً؛ بمعنى أنّ الإنسان لا يكتسبه بسهولة، واعتبر أفلاطون أيضًا أنّ هذا المنهج المعتمد على الحدس يتفوق على طريق العقل في سياق الوصول إلى المعرفة ونيلها، من جهة أخرى، فقد أدرك أرسطو أنّ الحدس يُمثل معرفةً أعلى من العلم، تمتاز بأنها غير مستنبطة، وهذه المعرفة (الحدس) هي أساس العلم، الذي اعتبره أرسطو بدوره أنه برهان أو استنباط منبثق من أمرٍ غير مستبط؛ ألا وهو الحدس.[٤]
العلاقة بين الحدس والعقل
عند التأمل بجميع الفلسفات، يمكن ملاحظة أنّ جميعها تناولت مسألتي العقل والحدس بطريقةٍ أو بأخرى؛ فالفلسفة العقلانية مثلاً تؤكد على دور العقل من أجل الوصول إلى الحقيقة، في حين أنّ كلاً من الحركة الفلسفية اللاعقلانية (بالإنجليزية: Irrationalism)، والتي تؤمن أنّ الكون محكومٌ بقوى غير عقلانية، وتعتمد في أسسها على مبادئ غير العقل، بما في ذلك الإيمان، والشعور، والغريزة، والحدس، بالإضافة إلى الحدسية الجديدة (Intuitionism)، القائمة على فكرة أنّ الرياضيات هي من إيجاد العقل، تؤكدان على أنه يمكن الوصول إلى الحقيقة من خلال الحدس الذي يُمثل أحد العناصر غير العقلانية،[٥][٦] من جهة أخرى، يعتبر أغلب المفكرين أن الحدس والعقل مكملان لبعضهما الآخر، وأنهما يعملان بانسجام معًا بغرض دعم البشر في سعيهم إلى التوصل إلى الحقيقة، ولا بدّ من الإشارة في هذا السياق إلى أنّ الفكر الفلسفي في أغلبه، وتحديدًا في الغرب، يعتبر أنّ التفكير العقلاني هو أكثر وضوحًا من الحدس، سواءً أكان هذا التفكير معتمدًا على الاستنتاج القائم على الأفكار الغريزية والفطرية، أو قائمًا على الخبرة والتجربة المعتمدة على الحواس.[٧]
المراجع
- ↑ "britannica", britannica, Retrieved 15/1/2023. Edited.
- ↑ فلاح عبد الزهرة لازم، المعرفة الحدسية بين باسكال وبرغسون دراسة تحليلية مقاربة، صفحة 158. بتصرّف.
- ↑ وسام احمد شهاب وايفان علي هادي، الحدس ما بين النظرية والتطبيق في النص المسرحي مسرحية سوء تفاهم انموذجا، صفحة 98. بتصرّف.
- ↑ جامعة محمد بوضياف المسيلة، كاملة.pdf?sequence=1&isAllowed=y المنهج الحدسي عند برغسون، صفحة 21-22. بتصرّف.
- ↑ "irrationalism", merriam-webster, Retrieved 15/1/2023. Edited.
- ↑ "Intuitionism in the Philosophy of Mathematics", Stanford Encyclopedia of Philosophy, Retrieved 15/1/2023. Edited.
- ↑ "Intuition", newworldencyclopedia, Retrieved 15/1/2023. Edited.