مفهوم الدهشة الفلسفية
تُعرف الدهشة، في السياق الفلسفي، على أنها "حالة" يتأثر بها العقل البشري، نتيجة تعرضه أو اطلاعه على شيءٍ جديد، أو غريب، أو شيءٍ غير مألوفٍ لا يقدر على فهمه واستيعابه، كما تعرف الدهشة الفلسفية كذلك على أنها "شعور" يراود الإنسان، ويساهم في إنارة عقله، والتوصل إلى إجاباتٍ بخصوص القضايا والمسائل التي تثير الحيرة لديه، وعندما تسود الدهشة على الإنسان أو تصيبه؛ فإنها تحفزه على إثارة التساؤلات، ووقف التكتم أو التجاهل بخصوص وجوده، ووجود العالم الذي يعيش فيه والكون، كما أنها تدفعه إلى التأمل وملاحظة كل ما يحيط به، بغرض إيجاد الإجابات التي ترضي حيرته وفضوله، وتعتبر الدهشة الفلسفية طريقًا يوصل بدورهِ إلى الحكمة، وقد حظيت بأهمية كبيرة في اليونان القديمة؛ بل إنها قد ولدت هناك، ونالت في ذلك الوقت اهتمام اثنين من أعظم الفلاسفة الإغريق، وهما أفلاطون وأرسطو، وبالنسبة لأفلاطون، فقد اعتبر أنّ الدهشة هي الطريق المُوصل إلى الحقيقة، وتحديدًا إلى حقيقة الوجود، في حين أنّ أرسطو اعتبر الدهشة دليلاً على الوعي بأنّ هناك ما يحتاج إلى التحقق والبحث بخصوصه، وأنها تساهم في إيجاد الحلول للشكوك التي تحوم حول الحقيقة.[١][٢]
علاقة الدهشة بظهور الفلسفة
من المعروف أنّ الفلسفة تُعرف، من ضمن المعاني والتعريفات الأخرى العديدة لها، على أنها نشاط يسعى الناس من خلال القيام به إلى التوصل إلى فهمٍ بخصوص حقيقتهم، وحقيقة العالم المحيط بهم، وحقيقة علاقتهم بهذا العالم والأفراد الآخرين،[٣] وهناك علاقة وثيقة بين الدهشة وظهور الفلسفة؛ فالإنسان عندما واجه الألغاز الكثيرة في هذا الكون، والتي أثارت الدهشة والعجب في نفسه، ولم تستطع الإجابات الشائعة والجاهزة آنذاك إقناعه بخصوص ما يواجهه في الكون، فبدأ بالتساؤل بخصوص الأمور التي تدهشه،[٤] وطرح أسئلة مثل "من أين جاءت هذه الأمور؟" و "لماذا هذه الأمور موجودة أصلاً؟" و "إلى أين سيكون مصير هذه الأمور؟"، ومن هنا كانت بداية الفلسفة، والحافز الذي دفع الناس إلى "التفلسف"، حتى أنّ أرسطو وصف الدهشة بأنها "الأم التي أنجبت الفلسفة"، بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الدهشة أول خطوة من خطوات البحث عن الحقيقة، وقد كان لجوء الإنسان في البداية إلى الدهشة لهذه الغاية نفعيًا، ومن ثمّ تطور الأمر ليصبح هذا البحث بدافعٍ فطري، وبدافع حب الاستطلاع السائد في نفسه، والرغبة في الكشف عن إجابات الألغاز والأسرار في هذه الحياة.[٥][٦]
خصائص الدهشة الفلسفية
تمتاز الدهشة الفلسفية بعددٍ من الخصائص، وتُبرز هذه الخصائص بدورها أهمية الدهشة في الفلسفة، وفيما يلي استعراضٌ لأهمها:[٧]
- تعتبر الدهشة من الأمور التي واجهت البشرية منذ الأزمان الماضية، وتطورت مع تطوره؛ حيث كان الإنسان في البداية يندهش مما يواجهه من مشكلاتٍ وظواهر عادية، مثل حركة الشمس، ولكن مع مرور الوقت، باتت الدهشة تصيبه من الأشياء الأكثر تعقيدًا، مثل وجود الكون.
- تقضي الدهشة على الجهل، وتثير الوعي عند الإنسان بأن هناك أمورًا يجهلها، وتسوقه إلى طريق التعرف عليها، وعلى أصلها، وماهيتها، وكيف تكونت، ومن أين جاءت.
- تحفز الدهشة الإنسان على التفلسف، وتثير فيه الفضول، والتفكير بعمق بخصوص مختلف المواضيع والمسائل، وقد كان أفلاطون يقول أنّ الدهشة والفلسفة الناتجة عنها هي من العطايا التي منحتها "الآلهة" للإنسان، وأنّ الفلسفة التي تنتجها الدهشة خاصة بالبشر دون الآلهة، لأن الأخيرين لديهم العلم بخصوص الأمور التي تدهش الإنسان وتثير فضوله.
المراجع
- ↑ "Astonishment (Philosophy): Origin, Concept and What It Consists of", warbletoncouncil, Retrieved 20/12/2022. Edited.
- ↑ state of mind excited,in wonder" (155D). "Wonder", encyclopedia, Retrieved 20/12/2022. Edited.
- ↑ literally, the term "philosophy,world and to each other. "What is Philosophy?", philosophy.fsu.edu, Retrieved 20/12/2022. Edited.
- ↑ موقع الدعم المدرسي آلوسكول، أدوات فعل التفلسف، صفحة 1. بتصرّف.
- ↑ جامعة بابل، الباعث على التفلسف وأهمیة الفلسفة، صفحة 1-3. بتصرّف.
- ↑ حماد فلاح الغزالي، ورجب مختار عطية، الفلسفة للسنة الثانية بمرحلة التعليم الثانوي القسم الأدبي، صفحة 22. بتصرّف.
- ↑ عبد الله شمت المجيدل ، تطوّر الفكر الفلسفي من الفلسفة اليونانية إلى المعاصرة، صفحة 35. بتصرّف.