مفهوم المنهج الديكارتي

عُرف الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (بالفرنسية: René Descartes)‏ بلقب "أبو الفلسفة الحديثة"، وتمّ منحه هذا اللقب لعدة أسباب لها علاقة بإنجازاته الفلسفية، وقد كان من أبرزها وضعه لمنهجٍ سمي باسمه، ليُعرف بالمنهج الديكارتي، وهذا المنهج الذي أرساه ديكارت يتضمن قواعد تخص عملية التفكير، وتمتاز هذه القواعد باعتمادها على العقل، وتوظيفه لغاية الوصول إلى حلولٍ للمعضلات والمسائل الفلسفية والفكرية على حد سواء، بالإضافة إلى أنّ المنهج الديكارتي يرى في توظيف العقل والاتكال عليه وسيلة للوصول إلى الحقيقة، وفي سياقٍ متصل، عرّف ديكارت "المنهج" على أنه مجموعةٌ من القواعد، التي تتسم بأنها "مُؤكدة"، ويتمثل دورها في مساعدة الفرد على "الارتقاء" بشكلٍ تدريجي، ليصل إلى أعلى درجات اليقين فيما يتعلق بكل ما هو قادرٌ على اشتمالهِ بمعرفتهِ؛ إذ إنّ القواعد والضوابط تمنع ذهن المرء المتبني لها من الوقوع في الأخطاء، وبالتالي يتمكن من بلوغ اليقين في الحقائق والمسائل المختلفة، وبناءً على ما سبق، يمكن تعريف المنهج الديكارتي على أنه مبادئ وقواعد، تمنع من يتبعها من الوقوع في شرك "الأخطاء والمغالطات"، وذلك لغاية أساسية، ألا وهي الوصول إلى حقائق ومعارف تتسم بأنها "يقينية".[١][٢]


أسس المنهج الديكارتي

المنهج الديكارتي يقوم على عدد من الأسس، وهذه الأسس تُعين صاحبها على الوصول إلى الحقائق والمعارف اليقينية، كما تُعينه على الوصول إلى اليقين والوضوح في مختلف المسائل، وتشمل أسس المنهج الديكارتي الآتي ذكره:[٣][٤]

  • الحدس: يعتبر الحدس عند ديكارت مصدر المعرفة اليقينية، والفكرة التي مصدرها الحدس تتسم بسمة الوضوح، وسمة التمايز، ويُعرف ديكارت الحدس على أنه تلك الرؤيا التي مصدرها العقل، والتي يتمكن الذهن من خلالها من إدراك "الحقائق البديهية" دون شكٍ أو اعتمادٍ على حكم الحواس، التي قد يكون حكمها غير ثابت، ومضلاً في هذه الحالة.
  • البداهة: عندما يتعرض ذهن المرء لأفكارٍ توصف بالبديهية، فهو يتشربها ويستوعبها بشكلٍ مباشر، وذلك لأنّ مثل هذه الأفكار تكون واضحة، ولا يرقى إليها الشك، ولا حاجة لأي برهان ليثبتها، ويجعلها جديرة بالاكتساب.
  • الاستنباط: يتمثل دور الاستنباط في أنه يولد فهمًا للحقائق يكون منبثقًا من فهمٍ لحقائق أخرى، والحقائق الأولى التي يتم استنباط الحقائق الجديدة منها تتسم بأنها أبسط من تلك الجديدة، وبعبارة أخرى، يُعد الاستنباط انتقالاً من "فكرة بديهية" ما إلى فكرة جديدة، من خلال عملية عقلية مترابطة ببعضها، تسمح لصاحبها برؤية الأمور واحدةً تلو الأخرى من منظورٍ بديهي.
  • الوضوح: من الأسس الأخرى للمنهج الديكارتي "الوضوح"، وهو سمة تمنح للأفكار، وتُميزها عن الأفكار المضطربة "غير الواضحة"، والأفكار التي يتم استيعابها وتقبل الذهن لها عن طريق الحدس لا بدّ أن تتسم بالوضوح، وهذه السمة تنأى بمثل هذه الأفكار عن الشك، والحاجة للبرهان، والحاجة للتوضيح، والتحليل، أو التفسير.
  • التمييز: تميز الأفكار عن بعضها، يمنع اختلاط هذه الأفكار ببعضها، ويمنع كذلك الالتباس أو الارتياب فيما بينها، لأنّ مثل هذا الالتباس يُعيق فهم الأفكار، ويعيق الوصول إلى الحقائق اليقينية.


قواعد المنهج الديكارتي

بعد استعراض الأسس والمبادئ التي يقوم عليها المنهج الديكارتي، نأتي إلى تناول قواعد هذا المنهج،[٣] والتي تعين في الوصول إلى اليقين وتحقيقه:[٥][٤]

  • قاعدة البداهة أو الشك: وفقًا لهذه القاعدة، يجب أن يقتصر قبول المرء للأفكار، واعترافهِ بأنها حقيقية، على تلك التي تتجلى بشكلٍ بديهي وغير مشوش (واضح) للذهن، والتي لا يكون هناك مبرر للشك بها، وأن يطال المرء بالشك الأفكار التي تكون على العكس من ذلك؛ أي الأفكار غير البديهية، والغاية التي أرادها ديكارت من هذه القاعدة هي تحقيق "الاستقلال الفكري"، والقضاء بشكل أو بآخر على عادة قبول الأفكار لمجرد أنّها مقبولة وشائعة في الأوساط العامة، وفي أوساط المفكرين.
  • قاعدة التحليل أو التقسيم: بناءً على هذه القاعدة، يتم تجزئة (تقسيم) المسألة الواحدة إلى عدة عناصر، بحيث تتسم هذه العناصر بالبساطة، ومن ثم يجري تحليل كل عنصر على حدة، وذلك بغرض تسهيل التوصل إلى حل شامل وجامع للمسألة بجميع أوجهها، ويعتبر ديكارت أنّ هذه القاعدة تساعد على التخلص من الغموض الذي قد يكتنف الطريق إلى إيجاد حلولٍ للمسائل، ويسهل حلها، والتعامل معها بصورةٍ عامة.
  • قاعدة التركيب أو الترتيب: تشير فحوى هذه القاعدة إلى أنه عندما يتم البدء بحل مسألة ما، فإنّ العملية تأخذ منحىً متدرج؛ بمعنى أنه يتم البدء بالأسهل والأبسط، ومن ثم الانتقال بتدرج إلى الأصعب والأكثر تعقيدًا، وذلك وفق نظامٍ تُسيّرُ عليه الأفكار بترتيب، لإيجاد أفضل الحلول للمسائل.
  • قاعدة المراجعة أو الإحصاء: يجري بناءً على هذه القاعدة تنفيذ مراجعة شاملة وإحصاءات، الغاية منها التأكد من أنه لم يتم نسيان أي جزء من أجزاء المسألة خلال التدرج في حلها من الأبسط للأكثر تعقيدًا، وللتأكد من أنه تمّ تناول جميع الجوانب دون استثناء.


المراجع

  1. "Stanford Encyclopedia of Philosophy", Stanford Encyclopedia of Philosophy, Retrieved 18/4/2023. Edited.
  2. "Descartes: A New Approach", philosophypages, Retrieved 18/4/2023. Edited.
  3. ^ أ ب شنة منى ، المنهج عند روني ديكارت.pdf أسس المنهج عند روني ديكارت، صفحة 46-57. بتصرّف.
  4. ^ أ ب شرفة وحيدة، قواعد المنهج عند ديكارت، صفحة 30-48. بتصرّف.
  5. "Descartes and Scientific Method: Four Precepts", rasch, Retrieved 18/4/2023. Edited.